بقلم : ياسر حجاج
توجد المشكلات ، لأنه لابد
لها أن توجد ، فمهما كانت درجة وعيك ، فإن المشاكل ستحدث في جميع الأحوال ، إما
بسبب نزقك الشخصي ، وتفلتك غير المحسوب ، وإما بسبب أولئك الأفاكون الذي يعيشون
معك أو من حولك ، أو لأنها سنن ممهورة بختم القدر .
وعلى حد علمي فإن المهارة الأساسية
للإنسان تكمن في قدرته ، لا على منع حدوث المشاكل ، لأنها ستحدث رغماً عنه ، وإنما
في قدرته على القراءة المبكرة لأثارها وتداعياتها ، فالحصار المبكر ، والمعالجات
الناجزة ، هي وحدها القادرة ، لا على حل المشكلة ، وإنما على تحجيم أثارها وحصرها
في أضيق الأمكنة ، حتى تعود فتنشط ، في وقت آخر ، ولربما مع أناس آخرين ، وبصور
جديدة أحياناً .
تكبر المشكلة ، وتتفاقم
أولاً بإنكارها ، ثم في مرحلة لاحقة بالإستهانة بها ، ثم التهوين من أثارها ، فإن
باتت حقيقة قائمة بذاتها ، تأتي غالباً مرحلة التعايش معها ، فالإستسلام التام
لها ، ومن بعدها تأتي الحقبة الأخيرة الخطيرة المؤذنة بالتماهي المتبادل فيما بينك
وبينها ، لتصبحاً معاً كياناً واحداً وملتصقاً ، لا وجود لأحدكما دون صاحبه ،
فتصير المشكلة أنت ، وأنت هو المشكلة ، بالمناسبة كثيرون منا لا يدركون هذه
الحقيقة ، وإن أدركوها ، فإن آوان مجابهتها ، أحياناً يكون قد فات ، ولأن أحدهم
(هنا أو هناك) عنيد ومكابر ، ويتأبى على الإقرار بالخطأ ، حتى بينه وبين نفسه ،
تجده - عوضاً عن ذلك - يقفز القفزة الأخطر
في حياته ، والتي غالباً ما يصعب تدارك نتائجها النهائية ، عندما يصطنع - من تلقاء
نفسه - أعداءً متربصون
يُلقي عليهم تبعة كل إخفاقاته ، وليحملون عنه عبء كل رزاياه ، رويداً رويداً يتحول
الإختلاق إلى واقع ، فحقيقة معاشة ومصدقة ، ليبدأ بعدها في (جهاده) المجيد ، وحربه
(المقدسة) ضد طواحين الهواء ، التي تعد أطول حرب عرفتها البشرية وحتى الآن ! .
ولأننا تجاوزنا
زمن الخرافة ، والميثولوجيا الأغريقية القديمة ، ومل الناس أو كادوا من الإنصات
المتكرر لحواديت ألف ليلة وليلة ، فكان لابد من إصطناع كائنات خرافية بمذاقات جديدة
، ونكهات عصرية ، ولكن مع الإبقاء على عنصري التشويق والإثارة المحفورين بعمق في
ذاكرتنا العربية منذ القدم ، فالكائنات الجديدة سيكون لها أذرع وسيقان عديدة أيضاً
، تنفث النار من فيها ، وتهدر بصوت يملأ الأفاق ، وقادرة في الوقت ذاته على التشكل
، والظهور والإختباء ، حسب الرغبة ، وكلما دعت الحاجة .
كل ما عليكم ليس
سوى التأكد من أنكم قد دفنتم رؤوسكم في الرمال بإحكام ، ولتتركوا الكائن الجديد يقوم بإنجاز المهمة عنكم ، فلن يكون بوسع أحد من اليوم لومكم ، أو مؤاخذتكم ، أو حتى معاتبتكم .
فأهلاً بكم إلى حيث كائننا الخرافي الجديد !
أهلاً بكم إلى عالم المؤامرة !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق