كارل ساندبرج
كاتب وشاعر أمريكي
1878 - 1967
(حب لجارك كما تحب لنفسك ، لكن لا تهدم السياج)
بقلم : ياسر
حجاج
ما يهمني في هذه المقولة ليس سوى شطرها الثاني ، ذلك أن
الشطر الأول منها هو أمر مفترض ، بل وبديهي تماماً فلا أرى داعياً للإستغراق في
تفسير المفسر ، فأغدو كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء .
الكاتب الأمريكي هنا يدُلك على وصفة حكيمة ، ويبدو لي
أنه قد جربها بنفسه ، وإلا ما كان للمقولة هذا الألق رغم بساطة كلماتها ، وقلة
مفرداتها ، وهذا شأن الحكمة على أية حال في كل عصر ودهر ، فتجارب السنين ، وتراكم
الخبرات يجعل من اليسير على البعض أن يقدم لك (عصارة) مختصرة ومركزة لكومة كبيرة
من الثمار ، شأنها في ذلك شأن كبسولة علاج لا تكاد تظهر في راحة يدك ، ولكن كان
وراءها بالتأكيد جهداً هائلاً ، وإختبارات معملية لا حد لها .
عودة إلى شطر المقولة الثاني ( ... لكن لا تهدم السياج ) ، نعم .. فإبقاء بعض الحدود الفاصلة في علاقتك
بالناس على وجه العموم ، هو أمر خليق بكل نفس تنظر بعين الإكبار والإحترام لذاتها
، وجدير بأولئك الحريصون على وجود قدر من (الهيبة) في أعين الناس من حولهم ، لاسيما في ظل
التشابك المعقد - أحيانا - في العلاقات الإجتماعية والعملية التي نحيا في ظلها ،
والتي بات الإنسان على إثرها مكشوفاً ، وإن شئتم فشبه عارِ أمام الجميع .
ولعل من نافلة القول التأكيد على أن هذا السياج لن
يكون واحداً في مواجهة الجميع وبذات الدرجة ، فإرتفاع هذا السياج سيتوقف حتماً على
مدى نظرتك وتقديرك لمن هم حولك ، فمنهم من يجب أن يكون هذا السياج عالياً بالنسبة
لهم ، ودون ذلك ربما بالنسبة لآخرين ، بل أنه وفي ذات الخصوص فإن ملامح هذا السياج
سينالها التغيير حتى بالنسبة للإنسان الواحد من وقت لآخر ـ وذلك بالنظر إلى مدى
تقدم علاقتك الشخصية به ، وفي ضوء تراجعها أحياناً .
إن الإبقاء على (سياج ما) في العلاقات بين الناس - في
ظني - هو أول وأهم شروط الخصوصية في إطار العلاقات الإجتماعية الناجحة ، وكذلك في صنوف
العلاقات التي يُقدر لها أن تستمر طويلاً ، فالنجاح هنا لا يستلزم بالضرورة وقوف
المرء منا على أدق تفاصيل الغير ولو بحسن نية ، فالإقتراب المحسوب ومراعاة خصوصية الغير هما مناط النجاح ، فالحميمية المبالغ فيها ليست في الواقع سوى حمة مرضية ، وطوق خانق .
فضلاً عن ذلك لا يقتصر الأمر - حسب المقولة - على دعوتك أنت
إلى الإبقاء على هذا السياج ، إنما يخاطب ربما - وإن كان بشكل غير مباشر - الطرف
الآخر محذراً إياه من تجاوزه أو محاولة القفز عليه من جهته ، هذا على الرغم من أن
الواقع العملي قد لا يكون بهذه السلاسة أو ذاك التبسيط ، لكنها محاولة لا بأس بها
قد تكون مفيدة خصوصاً لمن يعانون من المتطفلين ، وما أكثرهم في مجتمعاتنا
.
إن إفتقادنا لهذه الحدود النفسية الفاصلة في علاقاتنا بالغير قد أدى إلى العديد من المشكلات الحياتية التي ربما تكون قد واجهت فريقاً منا ، وهي ما كانت لتحدث في كثير من الأحيان لولا أن البعض قد تساهل - ولو عن دون قصد - في البوح بكل ما تعتمل به نفسه من مشاعر سلبية أو حتى إيجابية .
على المستوى الشخصي ، فإني أعتبر نفسي منتمياً إلى مدرسة
الحدود الفاصلة في العلاقات أياً ما كانت أطرافها وبشكل حاد أحياناً ، بل أنه وفي
الإطار الضيق لهذه العلاقات (الأسرة مثلاً) ، أرى الحفاظ على قدر عال من الحدود
(الأدبية غالباً) ، فما أرجوه ليس حباً ، بقدر ما أرنو إليه من إحترام وحفظ مكانة ، وفي
الحقيقة فقد نلتها كلها من زوجتي وأولادي .. والحمد لله .
فلدواعي سلامكم وسلامتكم .. لا تهدموا السياج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق