إذن فهي رياضتي المفضلة .
وحبي الذي لم
ألتقيـــــه قط .
نعم .. منذ 3 عقود وربما أكثر يزداد شغفي بهذه اللعبة ،
فقد أصبح لديِّ خبرة واسعة بكافة تفاصيلها وقوانينها ، بل أنني أتفاخر بين أقراني
بأنه بوسعي تحكيم مباراة لا يقدرعلى إدارتها سوى الحكام من ذوي الشارات الذهبية
الدولية .. وهذا صحيح بلا فخر .
عهد قديم مضى على متابعة أساطين اللعبة الذين لحقت بهم
في سن مبكرة نوعاً ما ، قضيت ساعات طوال أمام التلفاز اتابع - وبأعصاب محترقة
أحياناً - نجومي المفضلين آنذاك ( بيورن بورج - جون ماكنرو - كريس إيفرت ، مارتينا
نافراتيلوفا ) ، وغيرهم كثير .
كان مضرب التنس يمثل أحد اهم الأشياء التي تمنيت
إقتنائها ، لا لشئ سوى محاولة تلبس الحالة ، والإنسجام النفسي مع أمنية لم تتحقق
أبداً ، وهي أن أمارس هذه اللعبة بالفعل ، لا مكتفياً بالمشاهدة فحسب ، والعمل من
جهة أخرى على إنهاء حالة التأسف على بقائي - طوال هذا الوقت - ضمن مقاعد
المشاهدين .
في سني الصبا الأول ، تحدثت إلى الوالد بشأن رغبتي في
ممارسة هذه اللعبة ، وهو بعفويته بادر بالموافقة الفورية مبتدراً إياي بالقول (
الرياضة شئ جيد على أي حال ) ، أدركت أنه لم تصله رسالتي ، كان الأمر في حاجة إلى
مزيد بيان ، فقلت له أن ممارسة هذه اللعبة لها من المتطلبات ما ليس لغيرها من
اللعبات الشعبية الأخرى ، وبدأت أعدد له بعضاً منها (مضرب مخصوص - ملابس رياضية -
كرات للعب - أحذية ) ، أوما لي موافقاً ، وأكد بأنه سيعمل على شراء هذه اللوازم
بعد الإستعلام عن أسعارها من أصدقائه ، وحتى كتابة هذه السطور لم أتلق رداً من أبي
.
بعد مضي سنوات على هذا الحوار أدركت لماذا لم أتلق الرد
المنتظر ، فقد إكتشفت كم هو باهظ سعر هذه المتطلبات الذي يفوق ميزانية أسرة
بكاملها على مدار شهر وربما يزيد ، إستسلمت للأمر الواقع ، لكن ظل حب مشاهدة
المباريات مقدماً على غيره من صنوف المواد والبرامج ، فضلاً عن متابعتي الحثيثة –
وللآن - لكل فعاليات اللعبة وجداول البطولات وتوقيتات المنافسات ، بل متابعة لكل
ما يُنشر عن اللعبة ، وكذا التعديلات على قوانين ممارستها ، وأخبار نجومها ،
والمدخولات الضخمة التي يجنونها .
بعد سنوات عديدة تالية .. أحد أبنائي ممن كانوا شهوداً
على حالة التأسف البين على عدم تمكني من ممارسة هذه الرياضة ، رسخ في وجدانه هو
الآخر - فيما يبدو - حب هذا اللعبة - وبدأ يشاركني متعة مشاهدة هذه المباريات
.
وحدث أثناء دراسته الثانوية أنه كان يدرس مادة
التربية البدنية (إجباريا) ، وكان عليه إختيار إحدى الرياضات لتكون موضوع الدراسة
ومحل الإختبار ، فإختار التنس ، ولكم كانت فرحتى عظيمة عندما قال لي أن إختياره
لهذه المادة لن يقف عن حد الدراسة النظرية ، بل أنه مطلوب منه شراء ( مضرب وكرات
تنس) لتطبيق الجانب العملي من مادته الدراسية ، تركته لبرهة .. عدت بالذاكرة من جديد ، يا
الله .. ما فشلت في ممارسته ، ها هو أحد أبنائي يُقدم عليه ، ولعلي الآن أذكر
تماماً أنه عند شراء هذه المستلزمات وجدتني أمسك بالمضرب ، ثم نظرت إليه ملياً ،
أقلبه ، أتفحصه ، أختبر شده خيوطه ، ولسان الحال االممزوج برائحة الماضي يقول ( ها
أنت أخيراً بين يديِ ) .
أخذت أطوح بالمضرب يميناً ويساراً ، فهذه الضربة
الأمامية لروجر فيدرر ، وتلك الضربة الخلفية للأعسر رفائيل نادال ، هكذا الإرسال
يجب أن يكون ، وهكذا ما يلزم أن يكون عليه الإستقبال ، وبات هذا المضرب وللأن من
ضمن مقتنيات محببة لديِّ ، شاهداً ربما على مرحلة إخفاق ونجاح في آن واحد ، هكذا هي
الحياة إذن ، تمنحك أشياء ، وتحول بينك وبين أشياء ، وهي وإن تمنحك .. فقد تعود
فتسلبك ، وان سلبتك يوماً فقد تعود وتمنحك لأيام ، في شخصك ربما ، أو في شخوص
أبناءك أو من تحب ، قد يكون المنى قد تأخر عليك قليلاً ، ولكنه قد أتى ، أو سيأتي على كل حال .
ياسر حجاج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق