بقلم
: ياسر حجاج
إن تجربة قراءة كتاب جديد تمثل مرحاً شخصياً بالنسبة لي بصرف النظر عن
موضوع الكتاب أو حتى إسم المؤلف ، وللناس فيما يقرأون مذاهب ، غير أنني هنا لست
معنياً بتتبع مذاهب الناس ، يكفيني على الأقل أن أرصد مذهبي .
عندما أحزم أمري على شراء كتاب أو مجموعة من الكتب يعلو صوت الصبي
المشاغب داخلي ( هيا .. لنبدأ المرح ) ، ولا ينتهي ذاك المرح غالباً إلا بوضع
الكتاب إلى حيث المثوى المُقدر لأقرانه على أرفف مكتبتي الجاذبة للأتربة والعوالق
بطبيعة الحال ، لتبدأ بعدها مباشرة – أو بعد حين – تجربة مرح جديدة .
ليس لدي ميل حاد إلى نوع معين من الكتب – بإستثناء التاريخ ربما ،
والقانون بحكم التخصص – فأنا في القراءة من ذاك الصنف (الرمرام) ، أدب على تاريخ ،
كتب طبية ، ووصفات غذائية ، شعر مع سياسة ، برمجة ورياضة ، وكل صنف من هذه
التشكيلة وغيرها يستأهل مني إهتماماً بذات الدرجة أحياناً ، فيستوي عندي مثلاً الجهد
المبذول في قراءة كتاب عن بني أمية ، مع فصل عن أفضل الطرق لتحضير شوربة البازلاء
.
رحلة المرح تبدأ غالباً في المكتبات ، وهنا يأتي دور الإنطباع الأول
في تحفيزي على ممارسة فعل الشراء من عدمه ، وما لم يكن الكتاب مستفزاً لي بدرجة إيجابية
كافية فإنني غالباً لا أقتنيه ، وعناصر الإستفزاز كثيرة في الواقع ، تبدأ بمقدمة
الناشر في الغلاف الخلفي للكتاب ، ثم ريشة الفنان بالغلاف الأمامي ، مروراً بذاك
الذي تورط في عمل تقديم للكتاب ، ثم يأتي أخيراً دور المؤلف وموضوع كتابه ، العناصر
الثلاثة الأولى أمر عليها مروراً سريعاً جداً ، ففي دقائق معدودة يكون القرار ،
إقداماً أو إحجاماً ، وهاكم الآن بعض من عناصر المرح قبل القراءة :-
1- مقدمة الناشر
كونك تقتني كتاباً لا يعني بذاته أنه كتاب جيد ، مع أن القرينة هنا (الإقتناء)
لا تفيد إلا معنى الجودة ، وإلا فلما إقتنيته أصلا ؟ في القانون يعلموننا أن هذه القرائن
البسيطة قابلة لإثبات العكس إذا تمكن المرء منا أن يُثبت بالدليل انه كان إنساناً
طيباً ، ودوداً إلى الحد الذي إستطاع معه ببراعة أن يتجاوز صدمة (التقدمة) للكتاب
من قبل الناشر مثلاً ، فالناشرون بلا شك أناس جادون يستهلون مقدماتهم للكتب التي تصدر
عن دور نشرهم بالتأكيد على حقيقة مفادها أن موضوع الكتاب الذي بات بين يدي القارئ
هو موضوع جديد ، أو قديم برؤية جديدة ، أو جديد وفق منظور قديم ، أو قديم وجديد في
آن ، وبعد أن ينتهون من هذه (العكوسات) ، يبدأون بالثناء الحسن على المؤلف مروراً
بمحبرته وقرطاسه وقلمه وربما دخان سجائره ، ثم يختتمون هذه التقدمة بالعبارة الأكثر مللاً في التاريخ والتي تقول ( ... ، وهذا الكتاب من شأنه أن يسد فراغاً كبيراً
في المكتبة العربية) ، هل تصدقون ذلك ! .
2- غلاف الكتاب
إذا كنت مازلت محتفظاً بثباتك الإنفعالي بعد تقدمة الناشر ، وكان
مستوى ضغط الدم عندك لم يُجاوز نسبة الأمان (130/90) ، فستجد نفسك مؤهلاً نفسياً
للإنتقال إلى حيث الغلاف الأمامي للكتاب حيث ريشة الفنان الذي عُني أو كُلف بموضوع
الكتاب رسماً ، وهذا الجزء المثير ينبغي أن أتوقف عنده قليلاً .
فمعظم الكتب التي أقتنيها كان غلافها الأمامي أحد أهم أسباب إقتنائها
، حيث تبرز أهمية الغلاف بالنظر إلى مدى تناغمه مع عنوان الكتاب ، وإشاراته
الضمنية وغير المباشرة التي تقع في روعي كقارئ من الوهلة الأولى ، وفي ظني أن
الغلاف يجب أن يستأهل من العناية ما لموضوع الكتاب نفسه سواء بسواء ، والمؤلفون
المبدعون حقاً هم من يُعنون بدرجة كبيرة بأغلفة كتبهم بحسبانها الواجهة الأولى
لعين القارئ ويتوقف عليها - إلى حد ما - إقتناء الكتاب من عدمه .
وفقاً للخيال القديم ستجد الغلاف برسمه أو صورته وقد أدخلك مباشرة
إلى صلب الموضوع دون إعطاءك كقارئ أي فرصة حقيقية لممارسة التأمل أو التفكر ، شأنه
في ذلك شأن الكتب المدرسية بليدة الأغلفة والإحساس ، على جانب آخر تجد ريشة فنان
وقد إستوعبت موضوع الكتاب بشكل كبير ، فتعمد إلى مشاغبة القارئ بذكاء فتعطيه طرفاً من الحكاية ، أو شاهداً من الخبر ، وتشوقه للنظر فيما وراء الغلاف بإستخدام الإيحاءات
غير المبالغ فيها بالطبع ، هذا الصنف قليل ، ولكنه موجود أيضاً ، ولأن واجهة
الغلاف الأمامي لا يتم إجازتها غالباً إلا بموافقة المؤلف ، فإن ما سوف تراه من
صور أو رسومات أو حتى (شخابيط) ليست في الحقيقة سوى - أو جزء من - شخصية المؤلف ذاتها ، وهذا سيعطيك بالتأكيد فرصة إضافية للتعرف عليه وإن يكن بمنظور آخر .
3- مقدمة الكتاب وأضياف
الشرف .
يلجأ الظرفاء من المؤلفين أحياناً إلى العديد من الأعلام البارزة من
أجل كتابة مقدمة لمؤلفاتهم كل حسب تخصصه أو موضوع فنه ، وهذا يمثل عامل إستفزاز
إضافي لي ، حيث أنني أرى هذا النوع من التقديم به قدر من المجاملة غير المبررة التي
كان من الممكن تجنبها منذ البداية ، لاسيما إذا كان لديك كقارئ موقف سلبي مسبق من الشخصية التي تقوم بالتقديم ، الأمر الذي سينعكس على طريقة قراءتك لموضوع الكتاب ، وقد ينال من موضوعيتك لدى الحكم عليه .
يبدو هذا الأمر ولي كأنه (كارت توصية) من (صاحب
التقديم) إلى (المؤلف) ، يلتمس فيه الأخير من القارئ أن يكون لديه من الصبر والأناة ما يجعله
قادراً على إتمام القراءة دون الإنصراف عنها في منتصف الطريق ، وعلى الرغم من أن
هذا النوع من التقديم هو أمر شائع ومتعارف عليه في أوساط المؤلفين وعوالم الكتب ،
فإنني لا أكاد أستسيغه ، فالجهد المبذول من المؤلف هو وحده الذي يجب أن يكون (بطاقة المرور) أو (سند القبول) ، ومع ذلك فإنني أتفهم هذا الأمر أحياناً لدواعي تسويقية .
أخيراً .. إذا كانت الكتابة معاناة ، فالقراءة أحياناً معاناة أشد بفعل الناشر
أو المؤلف أو الغلاف أو مقدم الكتاب ، أو كلهم مجتمعين ، ولذلك يجب أن نقرأ بمرح لدواعي نفسية وصحية ، وأن نكون متسامحين إلى أقصى درجة إنطلاقاً من قاعدة ( الكتاب الذي لا يفيدني .. لن أسمح له بان يقتلني ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق