بقلم
: ياسر حجاج
الأن عزيزي القارئ ، وقد إنتهيت من القراءة ومارست كل أنواع المرح مع
نفسك ، والمزاح مع سطور كتابك ، فضلاً عن المؤلف وكل ما له علاقة بالكتاب ، فإنك
حتماً توقفت بجدية - ولو قليلاً - لتتبع الأثر الذي تركه (فعل القراءة) في نفسك .
إن القراءة - حتى وإن كانت في كتاب ردئ الشكل أو سقيم المحتوى - من شأنها أن تعكس
أثراً إيجابياً في نفسك وليس سلبياً ، فما صبرك على مطالعة بضع مئات أو حتى عشرات
من الصفحات ، إلا لأنك كنت تبحث عن (أو تنتظر) شئ ما ، قاله المؤلف أم لم يقله ، وهذا
- في ظني - فعل إيجابي في حد ذاته ، فإن وجدته فبها ونعمة ، وإن لم تجده ، فعلى
الأقل قد عرفت الآن الطريقة التي تستطيع من خلالها إنفاق نقودك بصورة أفضل في
المستقبل عند تسكعك أمام مكتبات بيع الكتب .
أما إذا لم تتوقف أبداً عند ما قرأته مهما بدا لك سلبياً أو محبطاً ،
ففي الغالب لن تكون المشكلة لا في الكتاب ، ولا حتى في مؤلفه ، إنما المشكلة تكمن
فيك أنت شخصياً ، الأمر الذي قد يتطلب منك العمل بجدية على ترتيب موعد مع أحد
الإخصائيين النفسيين .
*****
الِكتاب .. أي كِتاب من شأنه أن يؤدي في محصلته النهائية إلى حثك على
طرح الأسئلة ، ومحاورة المؤلف ولو بشكل صامت أحياناً فيما كتبه ، فإن تجاوزت مرحلة
الصمت إلى مرحلة البوح وراسلت المؤلف مثلاُ كما يفعل بعض ظرفاء القراء ، فهذا في
ظني قفزة هائلة جداً تُـنبئ عن شخصية واعية حقاً كان لديها من الوقت والإهتمام ما
أرادت من خلالهما أن تروى بعض الظمأ ، أو تستزيد من الرواء .
صحيح أن أغلب المؤلفين لن يعيروا رسالتك ثمة إهتمام ، لأنهم أناس
مهمومون ومشغلون جداً ، فإنك على الأقل تكون قد أرضيت ضمير (الناقد) داخلك ، ورَسَخت
في ذهنك أكثر وأكثر الفكرة النمطية التي تراودك منذ سنين ، من أن قطاعاً كبيراً من
المؤلفين ليسوا في الحقيقة سوى مجموعة من الأوغاد .
*****
هل وحدهم المؤلفين أوغاد
؟
لا .. الحقيقة أن كل مؤلف وغد يقابله عشرة من القراء
الأوغاد على الأقل ، وفي تفصيل ذلك أقول أن الكتابة من حيث المبدأ عمل ينطوي على
قدر كبير من المعاناة ليس هذا آوان تفصيلها ، ولكنها معاناة حقيقية حتى وإن كان
المؤلف يتناول فيها سرداً عاماً وغير شخصياً ، كالقضايا الإجتماعية والتاريخية
والسياسية وغيرها ، ذلك أن هذا السرد من الضروري وأنه قد مر على نفس المؤلف أولاً
، وأجال فيه خاطره بحنكة مفترضة ، بل وحياد تقتضية إعتبارات أخلاقية ومهنية ، ثم
رأى في النهاية أنه قد بات لديه ما يقوله لقارئه.
بناء على ذلك ، يلزم التنويه وبصورة واضحة أن الإنطباعات
الإيجابية التي قد تداعب أخيلتك عقب قراءتك لكتاب ما ، لا تعني بالضرورة أن هذا
الكتاب إيجابي في ذاته ، أو أن المؤلف حتى قد كان موضوعياً بدرجة كافية ، لا .. كل
ما هنالك أن ما قرأته من نصوص ربما لامست أو تطابقت مع إحدى قناعاتك المعرفية التي
تتبناها ، فتسارع حين تجدها (وقد تكون محقاً) إلى إبداء رأياً إيجابيا جداً بشأن
الكتاب أو مؤلفه ، وتنسى أن هذه النصوص - على بهاءها - ربما تكون قد شكلت صدمة ما لقطاع
آخر من القراء ، فعين ما تراه أنت حقيقة ، هو ذاته عين ما يراه غيرك وهماً أو
تلفيقاً ، ولربما كان كلاكما محقين .
فالقارئ (الطبيعي) من جهته يجب أن يُقدر أن ما يقرأه
ليس من المفترض ، بل وليس من المطلوب أيضاً أن يتوافق مع كل أو بعض قناعاته أو
أراءه ، فالكتابة تجربة إنسانية خاصة جداً ، وما وقع في خُلد الكاتب ليس من
المنطقي أن يقع في خُلد القارئ بذات الدرجة ، ولعلي هنا أستعير فقرة من مقالة
سابقة لي في سياق مشابه قلت فيها ( ذلك
أننا إنما نرى الشئ بأعيننا نحن ، وليس بعين صاحبه ، ونتتبع أثره في نفوسنا نحن ، لا
كما وقع في نفس صاحبه ، ونقسه بزوايانا نحن ، لا كما أراده صاحبه ) .
إن الضابط الحاكم في إطار الحكم على جودة كتاب ليس - في
تقديري - سوى قدرتك كقارئ على تلمس صدق المؤلف فيما يرويه من عدمه ، وبصرف النظر القطعي
عن ردود أفعالك التي قد يكون بعضها هزلياً تماماً ، إن إصرارك كقارئ على أن ترى دائماً جانباً من أراءك ، مواقفك ، صورتك ، مشاهد طفولتك ، مراتع
صباك ، نزق شبابك ، وهوس رجولتك ، في سطور الكتاب الذي تقرأه ليس سوى هزل من
العيار الثقيل ، لأن التجارب الإنسانية لها من الرحابة والسعة ، بحيث تستوعب تجاربك
، وتجارب غيرك ، أما إذا كنت لا تستوعب فكرة (التنوع) ، أو كانت لديك مشكلة بشأن (إحترام خصوصية الكاتب) فيما أبداه ، فما عليك للخروج من هذا المأزق ، سوى أن تبادر أنت بالكتابة شخصياً ، ثم تخرج فتعرض ما كتبته على غيرك ، وعندئذ ستدرك أن المؤلفين الأوغاد قد زادوا واحداً كان إلى عهد قريب جداً قارئاً وغداً أيضاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق