2011/07/21

(1) أبو الهول ثائراً

بقلم : ياسر حجاج
في تاريخ الشعوب والمجتمعات ، تعد الثورات بمثابة الإنعطافات الحادة والنتؤات البارزة والأخاديد العميقة ، ولكونها كذلك فإنها هي التي تعيد رسم الخارطة التاريخية والجغرافيا السياسية لهذه الشعوب وتلك المجتمعات ، والثورات على تنوع مشاربها ، وإختلاف أمزجتها تعمل بقصد ومن غير قصد أحياناً على إعادة تموضع المشاهد ، وضبط زوايا الرؤية ، مع مزج مستحدث لألوان الطيف داخل مجتمعاتها ، بل والعمل كذلك - إن أمكن - على صياغة الأحاسيس والمشاعر من جديد .

مرة أو مرتين في عمرك قد تعاين ثورة رأي العين هنا أو هناك ، وقد ينقضي عمرك كله دون أن تعاين أي ثورة ، وبالتالي فلن تقف على مشاهدها ، ولن تتبع نتائجها وأثارها في نفسك وفيمن حولك ، فالثورات في عمر الشعوب هي حالة إستثنائية على قاعدة الجمود والرتابة والبرودة ، ولكونها إستثناءاً بهذا المعني فإنها غالباً ما تٌحدث درجات متفاوتة من السيولة والمرونة والحرارة ، ولأن الثورات إستثناءاً فلا تتوقع منها إلا منطقاً إستثنائياً ، ومساراً إستثنائياً ، وخصومة إستثنائية أيضاً .

في عصر الثورات يخالُ المرء أن كل شئ يثور من حوله ، الناس ، والكائنات ، وحتى الجمادات ، فيندر حينئذ أن يظل شئ على حاله ، دون أن يتلبس بهذه الحالة الثورية بدرجة أو بأخرى ، فالكل إما ثائر بذاته أو هو قابل للتفاعل مع هذا الحس الثوري من خلال تلك الأنفاس الحارة الثائرة ، التي تعلو كما الأبخرة والتي تعود فتهبط على كل كائن بقدر يتفاوت بمقدار ما يسعه صدره أو تستوعبه رئتاه فينتقل معها وبها من حالة شهيق ثورى ، إلى حالة زفير أكثر ثورية وسخونة .


ولأن الثورات لا يقوم بها غالباً الشعراء أو الفنانون أو الرومانسيون وحدهم ، فلا تنتظر منها أن ترسم لك المشاهد التي تود أن تراها ، ولا أن تعزف لك الألحان التي يطيب لها سمعُك ، فالثورة لوحة كبيرة ، بالغة الطول والعرض ، بالغة العمق والتعقيد أيضاً ، فتتقاسم اللوحة كل اللغات وتتسع لكافة أوجه التعبير ، وتقبل برحابة كل أنواع الفنون ، الراقي منها والمبتذل ، وتحفلُ بكل من يخط بها خطاً ، فبها الخطوط المستقيمة الدقيقة ، وبها المائل والمتعرج ، عموماً سأترك هنا بعض إنطباعاتي عن الثورة المصرية ، وردود أفعالي العفوية تجاهها تسرعاً وتأملاً ، وللحديث تتمة .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة