2009/12/10

غداً .. يوم ولدت فيه


إذا كنت من صنف العقلاء ، وكنت على الرغم من كونك كذلك أحد هؤلاء الذين يحتـفلون ويحتـفون بأعياد ميلادهم فإنك ربما لم تدرك بعد أن العد العكسي - لوصول رحلتك الحياتية على الأرض إلى نهايتها - قد إقترب أكثر فأكثر ، وأن السهم الذي هو مصيبك لا محالة قد إنطلق من قوسه بالفعل لتبدأ على أثر ذلك حفلة جديدة ستكون ضيفها ، وستتابين بالتأكيد أشكال الإحتفاء بمقدمك بالنظر إلى ما حصلت في رحلتك السابقة .

وبالتالي فإن إقتصارك فقط في يوم مولدك على مجرد مطالعة وجهك في المرآة متأملاً الأثر المترتب على إنفراط حبة من حبات عمرك لن يكون بفكرة سديدة على الإطلاق ، وإذا قلت في دخيلة نفسك بظرفك المعهود ( أهاه لم يتغير الكثير أو لم يتغير شىء على الإطلاق ) فعليك عندئذ أن ينتابك القلق فتعيد تبعاً لذلك رسم خارطة جديدة لما عساه أن يكون قادماً من أيامك .

في الحقيقة ُتصنف المراحل السنية عادة ( شباباً وكهولة وشيخوخة ) بالنظر إلى مقدار العمر الذي بلغت ، فكونك فتىً يافعاً أو شاباً فهذا يعني أنك لم تبلغ الثلاثين بعد ، فإن كنت بلغت هذا العمر ولكن دون الأربعين بت كهلا ً ، فإن بلغت الأربعين فما فوق صرت شيخاً ، ولما كنت أنا من أصحاب الصنف الثالث على سلم تصنيف الأعمار المشار إليه فإنني وبطريق الحتم واللزوم أصبحت شيخاً شئت أم أبيت وبالتالي فإن الحناء اليمنية الداكنة التي أخضب بها شعري مع بناتي من حين لآخر لن تغير من حقيقة الأمر شيء إلا ربما في نظر أمهن فحسب التي تراني أصغر من عمري قليلا ً ، وإزاء هذه المجاملة أو المماحكة - لا يهم - والتي ُأتبعها غالباً بإبتسامة واثق الخطى الذي يمشي ملكاً ، فإني في زهوي المصطنع هذا لا تغيب عن ذهني أبداً فكرة قرب محطة الوصول ومراسم الإستقبال .

يقولون في العقود وتحليل نصوصها القانونية أن العبرة فيها دوماً للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ، وبالتالي فإنه وبإسقاط هذه النظرية القانونية على واقع الحال ، فإنه لا يعني بلوغك إحدى المراحل العمرية الثلاث أنك أصبحت بالفعل جديراً بها أو مستأهلاً للقبها وإن تسميت بإسمها ، فمثلاً كثير هم الشيوخ الذين لم يشبوا عن الطوق بعد ومازالوا يسبحون في أمواج ما كان ، لا في ما هو كائن بالفعل ، تتقاذفهم ذكريات الصبا والشباب ، ويرسمون إبتسامات - باهتة أحياناً - وهم يستحضرون عنفواناً قد أفلت شمسه إلى غير رجعة ، وتراهم أحياناً يخوضون - فيما بين بعضهم البعض - في أحاديث السمر الخافتة التي لا تخلو بالطبع من التعريج على عينة من النقاشات التي لا يخوض فيها غالباً سوى الصبية المراهقين وحديثي البلوغ .

فعليك دائماً أن تعيش الحياة وفقاً لمقتضى العمر أو المرحلة التي تحياها ، فلا تأت بغير المأمول أو المنتظر منك فتسقط مهابتك في عيون الآخريين وتكون مرؤتك على المحك ، وعلى كل حال فإنه قد يكون من الأجدى لك - في يوم ميلادك – أن لا تمارس فيه عبثك المعتاد فتعتقد أن له من الخصوصية ما ليس غيره ، فلا الشمس ستتعامد على وجهك كما رمسيس الثاني ، ولن تمطر السماء إيذاناً ببدء موسم الخصب والنماء ، فما هو إلا يوم سيمر كما مر أقراناً له اللهم إلا الجلبة التي ستحدثها في هذا اليوم وأنت تتفحص هدايا أولادك لك والتي إشتروها بالمناسبة من حر مالك .

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

أولا: كل عام وأنت بخير.. الله يجازيك خير الجزاء على ما مضى منه ويباركلك في قادمه.. إن شاء الله إلك العمر كله...
وثانيا: إلويش هجي قالبه عزاء وكأن ملك الموت -سلام الله عليه- دا ينتظرك على عتبة الباب.. بلي لدينا ذنوب نخشى عليها من عدالة الله لكن رجاءنا بفضله أعظم.. إلنا رب رحمته أوسع من السموات والأرض
تذكرت بالنسبة للهدية: موزين دا يرجعولك فلوسك :)
الله يخليلك إياهم ويخليك إلهم.. يارب
 

أبو البنات يقول...

سراج
بعد التحية
شاكر لك لطفك وتهنئتك ، ومن ناحية فكرة الرحيل ومراسم الإستقبال فهو بالفعل أمر في مخيلتي دائما ، فنسأل الله لنا ولكم العافية وحسن الختام والحكيم من ذكر نفسه بنفسه ، وبخصوص الهدايا فهي على الدوام حاضرة من الأولاد والبنات ، فهم وهن كرائم هداياي الفعلية التي من الله بها عليً ،وشكراً لمرورك .

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة