2011/08/15

(5) أبو الهول ثائراً



تدبقلم : ياسر حجاج
تدور الأمور في مجملها ما بين صفو وكدر وجد ولعب ، وإذا ُقدر لك وصارحتك نفسك بأنها تريد أن تفهم أكثر ، فإعلم أنك على وشك أن تبدأ مرحلة مزاحك أو عبسك إنما على حافة جبل شديد الإنحدار ، ذلك أن محاولة الفهم أكثر وأكثر إنما تفترض في البداية بأن المشاهد بتجلياتها الراهنة لا تجد إلى نفسك سبيلاً ، فتستعين على قلبك بعقلك ، لعلك تجد عنده ما أستغلق فهمه أو إستحكم إغلاقه .

ولا يعني ذلك بالضرورة أن عقلك سيجد الإجابات الشافية لأسئلتك العليلة ، هذا مع إفتراض مبدئي بالطبع أنك تتمتع بقوىً عقلية معقولة بعيداً عن أجواء الخرف المحيطة بك ، والطقس اللا معقول ، حيث تتنسم ما حسبته هواءاً ، فإذا به دخان محمل بكم لا بأس من الضباب في بيئة لا تعرف على وجه الدقة أتمر هي بأشهر صيف أم شتاء .

الحالة المصرية بعد الثورة لا تختلف كثيراً عما سبق ذكره أعلاه ، ولعلها الحالة التي تحاول فيها أن تتبين الخيط الأبيض الرقيق من الخيوط السوداء السميكة ، كما بدت لي الحالة المصرية كأي حالة تعقب الإستشفاء المفاجىء ، بعد طول معاناة ومعايشة مع مرض عضال .

فبعد بقاء المصريون قسطاً طويلاً من الزمن رهن أزمات مزمنة ، بدت من عمقها وكأنها إلتصقت بجلودهم وأرواحهم ، وحتى مخيلتهم بشكل لا تكاد تستطيع أن تفصل بينها ، تراهم عمدوا إلى حل لا يلجأ إليه في الغالب إلا من هم على مشارف الهلاك ، فبدلاً من أن ينظروا إلى الحياة الآن بحسبانها قد أعيدت إليهم ، مع غياب أو تغييب أو تحييد المسببات الرئيسية لأمراضهم وآلامهم ، وبدلاً من أن يحاولوا السير بهدوء صوب مرحلة النقاهة التي تعقب العمليات الحرجة ، تراهم قرروا في لحظة مجردة من المعقول السير وبحماسة عير محسوبة إلى مرحلة التعافي الكامل والمباشر والسريع .

وظنوا أن السبيل إلى ذلك ليس سوى إقتحام كافة الصيدليات التي عرفتها الإنسانية طوال تاريخها ، حيث قرروا وبلا وعي تقريباً ، وبجرعة واحدة أن يتناولوا كافة الأقراص والحبوب والمضادات وسائر أنواع الشراب الموجودة على أرفف تلك الصيدليات ، وربما بالقدر الذي يجاوز حدود القدرة أو الإحتمال أو التخيل ، معتقدين أن هذا القدر من الخرف الوقائي سيكون سدهم المنيع وسورهم العالي ضد أية أمراض جديدة ، ولو كانت محتملة ، بما يجعلهم بمنأى عن العودة إلى فراش المرض من جديد ، وبمعنىً آخر ، فأنه ليس من البديهي بالمرة أن تكون على وشك الخروج من جراحة دقيقة ، وتعمد بعدها مباشرة إلى خوض سباق في المسافات الطويلة ، معتمداً فقط على أقراص للهلوسة ، وللحديث تتمة .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة