2012/03/25

مهلاً




برتراند راسل
فيلسوف وكاتب إنجليزي

( لن أموت أبداً دفاعاً عن قناعاتي .. فقد أكون مخطئاً )

بقلم : ياسر حجاج

عزيزي .. عزيزتيِ

هذا هو إذن دأب المفكرين الحقيقيين ، الذين مهما تعاظمت تجاربهم وخبراتهم ، فإنهم دائماً ما يضعونها على موائد البحث والتجريب ، ولا يرسلونها هكذا لك معلبة وجاهزة للإستخدام الفوري ، مع عبارة أنيقة تقول ( لم يثبت وجود أية أعراض جانبية ) ، بل هم على العكس وبكل تواضع الكبار وعلمهم يقولون لك .. حسناً .. هذا ما بدا لنا ، وعليك كمتلق أن تجيل البصر والفؤاد فيما تقع عليه عيناك ، وما يخالط سمعك ووعيك ، فتأخذ منه ما تعتقد أنه يستحق الوقوف عنده ، وتطرح عن كاهلك كل ما عداه .

في تقديري وبخلاف الأمور العقائدية الكبرى والثابتة ، فإنه لا توجد قضية منتهية وحاسمة ، فكل رأي جديد أو إجتهاد مبني على منطق معقول ، هو بمثابة فصل جديد مضاف إلى هذه القضية ، ومن هنا تأتي ربما أهمية الإدراك أن الرأي مهما بلغت وجاهته ودقة أسسه ، لا ينبغي النظر إليه بحسبانه خاتمة المطاف ، أو اللبنة الأخيرة في البناء ، فقد يأتي من بعدك من يجرد رأيك من منطقه ، أو يثبت مثلاً تناقضه ، أو يُريك أن مقدماتك لم تكن لتتسق مع نتائجك ، وأن ما حسبته نوراً ساطعاً كان في أفضل الأحوال بقعة ضوء خافتة ، وعليه فإني أتصور ولتجنب ذلك ، يجب أن نحتاط دوماً في إبداء أراءنا بشكل حاسم أو جازم ، فنبتعد قدر الإمكان عن التأكيد في موضع يغلب عليه الظن ، وعن الحسم في مواضع الإحتمال ، وذلك عن طريق تخير الكلمات وضبط الألفاظ والمصطلحات ، أعلم أن الأمر ليس على هذا النحو من التبسيط ، ومن هنا تاتي ربما أهمية المران وترقب النتائج .

(في ظني أو تقديري) ، (من المحتمل) ، (قد يكون) ، (لعله كذلك) ، (ربما) ، (قد يبدو الأمر على هذا النحو) ، (لا أعلم على وجه الدقة أو اليقين) ، (في الأمر نظر) ، (حسب فهمي للموضوع) ، (وفق إجتهادي) ، (من المرجح) ، (أرى ما لم أكن مخطئاً ( إن إستخدامك لألفاظ أو عبارات إحترازية من هذه النوعية قد يكون له فوائد عديدة من بينها الإنعكاس الإيجابي على شخصيتك ذاتها والتي ستتعود على التوقف أمام القضايا الخلافية غير المنتهية ، في محاولة لمزيد من البحث والتعمق ، قبل الخروج على الآخريين برأيك ، والفائدة الأهم تتمثل في أنك لم تصادر حرية غيرك في تقييم ما يصدر عنك من أراء وإجتهادات ، فالشرور على وجه العموم إنما تنبت من الجنوح إلى الإستبداد بالرأي ، مهما بدا بحاجة إلى مراجعة وإعادة نظر ، كما أن نظرة عابرة وسريعة في فضاء المكتوب والمسموع والمشاهد ، سيشي لك بالشطط الحاصل في آليات الحوار بين الجميع ، فلا مصطلح منضبط ، ولا عبارات دالة على المضمون ، ولا تحوط ولا تواضع في إبداء الأفكار ، فالكل - إلا من رحم ربك - يريد أن يكون حازماً حاسماً قاطعاً منهياً للقضية بنفسه ، مستأثراً بالنقطة التي هي بنهاية كل السطور ، ونتيجة لهذا الجنوح ربما ظهرت عوارض لتضخم الذات لدى قطاع كبير ممن تقرأ لهم أو تسمع منهم أو تشاهدهم ، وباتت العبثية إلى حد كبير تمثل عنوان المرحلة الراهنة .


فأنت إذا كنت ذا رأي معتبر ، وصاحب تجربة معقولة في شأن من الشئون ، فلتجعل رأيك هذا محاطاً بقدر من الإحترام ، بالتنويه بأنك لن تموت أو تناضل إلى الأبد من أجل هذا الرأي ، فقد تكون مخطئاً أو متجنياً أو مبالغاً ولو بدون قصد أحياناً .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة