2009/11/03

لزوم ما لا يلزم .. أحياناً



لعله من قبيل الترف أو الضرورة أحياناً الإهتمام ومتابعة التفاصيل الحياتية لأناس أو بلدان أو جماعات لم يخطر على بال أحدنا قط أن تكون واحدة ضمن سلم أولوياته أو إهتماماته ، وإن كان الأمر ترفاً أو ضرورة أو حتى عبثاً فالثابت أن هذا يحدث أحياناً ، وإلا فما هي جدوى الإهتمام مثلاً بأمور حياتية بل ومحلية صرفة تحدث في بقعة من بقاع العالم لا تربطك بها عادة صلة من أي نوع اللهم إلا هذه الرباط النفسي العميق الذي يشدك شداً للتواصل إنسانياً ولو من بعيد مع مواطن بسيط ، أو مزارع مجد أو جماعة مكافحة هنا وهناك .

حقاً ربما لن يضيرك كثيراً أمر بقايا الهنود الحمر في نطاق كفاح من تبقى منهم للمحافظة على هويتهم الثقافية من الإندثار ، وربما لن تلتفت كثيراً إلى قبائل الطوارق في الصحراء المغاربية في إطار جهودها لتوفير سبل العيش في حده الأدنى ، وقد لا تشغلك أبداً معضلة ندرة المياه وقلة الأمطار والجفاف والتصحر التي تصيب بعض البلدان الأفريقية ، ويجوز أن الأرق لم يعرف طريقه إليك بعدما علمت
أن شخصاً واحداً من بين كل ستة أشخاص في العالم لا يجدون ما يسدون به رمقهم ، ومن المحتمل أيضاً أنه لم يهتز لك جفن وأنت تشاهد جموع المشردين أو المنكوبين لا يجدون ما يدرأ عنهم الغوائل سوى التنقيب عن لقمة في أكوام النفايات والمبيت في أكواخ من صفيح .

حقاً قد لا تنشغل بأي من هذه القضايا مفضلاً أو مضطراً - كيفما أتفق - إلى الإنكباب على قضاياك الضيقة والشخصية وستجد بالتأكيد كثير من التبريرات إزاء موقفك هذا ، وعليه فإنه سيكون من الإجحاف مثلاً أن نطلب من المواطن العراقي البسيط الذي يعاين صباح مساء مشاهد حية من حمامات الدم اللا منتهية أن يولي قدر من إهتمامه بأمر مواطن فقير يسكن على أطراف إحدى الغابات الأفريقية ، وسيكون ربما من المستفز تماماً أن تحث مواطناً عربياً يقع فريسة المرض أوالفقر أو إنتهاك أبسط حقوقه الأساسية على أن يبدى تعاطفاً ما مع مزارع بسيط بحقول الأرز بفيتنام .

كل هذا صحيح ومن الممكن تفهمه ، ولكن ما أود قوله أن الهموم الإنسانية غالباً ما تتشابه وُتذرف بشأنها ذات الدموع وتعتمل بداخلنا إزاءها نفس المشاعر تقريباً ، وصحيح أيضاً أن المواطنين البسطاء في أقاصي المعمورة قد لا يعلمون بأمر إهتمامك بأي منهم ولا بمبلغ تبنيك أو تفاعلك مع أي من قضاياهم المعيشية والعملية أو حتى بقدر تعاطفك معهم على أقل تقدير ، إنما الأهم أنك وبوصفك إنساناً تكون قد لبيت بذاك الإهتمام أو التعاطف أو حتى بتلك المشاركة الوجدانية البسيطة الحدود الدنيا لإنسانيتك ورويت ظمأ نفسك التواقة دوماً للتواصل ولو عن بعد مع أقران لك على الضفة الأخرى من النهر .

وإذا كان الرباط الروحي للمنتسبين إلى جماعة دينية أو مذهبية معينة أمر في غاية الإهتمام بالنسبة لهم لإتصاله الوثيق والمباشر بالمعتقد الواحد الذي يجمعهم والإله الواحد الذي يتوجهون إليه بالصلاة والدعاء والرسول الواحد الذي يعملون على إقتفاء أثره وهديه بما يبرر لهم ربما قصر جهودهم المتعلقة بالتأييد والمساندة على أفراد هذه الجماعة أو تلك الفرقة التي ينتمون إليها دون غيرها ، فإن هذا الرباط الروحي رغم أهميته الظاهرة بل والمنطقية ينبغي أن لا يكون معناه التقوقع أو الإنصراف والإلتفات كلية عن ما يحدث في الأطراف الأخرى من العالم قل شأنها أم عظم أمرها ، دون أن يعني ذلك بطبيعة الحال أن ُتصرف ذهنك وكلياتك إلى الإهتمام بقضايا كتلك التي يهتم بها بعض الظرفاء منا كموضوع المكونات الخاصة بالسيجار الكوبي الفاخر ، أو نوعية الطعام الذي ُيقدم مثلاً لكلب ملكة بريطانيا ، أو نوع ورق التواليت المعطر الذي يستخدمه الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي بحمامه .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة