2014/08/06

دوائر



بقلم : ياسر حجاج
في إطار الشعور بالسعة والضيق ، فإنك لن تعرف أفضل من الدائرة معنىً رمزياً للتعبير ، حيث تتسع هذه الدائرة أو تضيق بمقدار الرحابة التي تشعر بها ، أو الملل الذي ينال منك ، بمقدار الأمل الذي يراودك ، وبمستوى الإحباط الذي يتحرش بك ، وبهذا المعنى فإن حياتك هي عبارة عن سلسلة من الدوائر اللا نهائية ، قد تقترب منك وقد تتباعد ، ولكنها موجودة حولك على أي حال ، وكلما كانت لديك المقدرة على الحفاظ أو الإبقاء على هذه الدوائر متجاورة ، وغير متلاصقة كلما كانت قدرتك على فهمها وإدراكها أكبر.

 
إن أخطر ما في الدوائر هي المرحلة التي تبدأ فيها بالتشكل أو الإندماج بعضها مع بعض ، لتصيغ لك في النهاية – ورغماً عنك - ربما شكلاً دائرياً آخر يخرج عن حدود الفهم والتصور أحياناً ، فتبدو معها وكأنك قد أُجبرت على الدخول في متاهة عرفت بوابة الإنطلاق إليها ، غير أنك بأي حال تجهل باب الخروج منها ، وإذا تعقدت الأمور أكثر معك ، فإعلم أنك على وشك الدخول في مغامرة جديدة ، قوامها كرات من الخيوط المتقاطعة والمتشابكة ، لا تكاد تصل إلى أول خيط هنا ، حتى تأخذك بداية خيط جديد هناك ، وفي إطار هذه السباحة غير المحببة – إن جاز التعبير – ستتشابه لديك نقطة الإنطلاق ونقطة الوصول ، ويصبح الحل والإرتحال بمعنىً واحداً ، ذلك أن الدوائر ليست لها نقطة بدء وأخرى للإنتهاء ، فكل نقطة على مدارها المتسع أو الضيق ، تصلح بذاتها أن تكون مقدمة ، كما يصح أن تكون ختام .

هب انك إنطلقت من النقطة (أ) بسيارتك راغباً في الوصول إلى النقطة (ب) ، وبعد مدة من المسير قلت او كثرت ، وقليل أو كثير من الصبر أو الكدر ، توقفت بك السيارة حيث أردت ، فتتفاجئ أنك ما برحت أبداً النقطة (أ) ، وأنك وصلت من حيث إنطلقت ، لا شك أن ذلك سيكون محبطاً جداً بالنسبة لك ، من هنا تأتي أهمية التغلب على الشعور بالدوار والإرتباك ، بإدخال عناصر أكثر تحديداً داخل الدوائر المحيطة بك ، وذلك بأن تعمد إلى رسم حدود مستقيمة ومتوازية وأخرى متقاطعة ، وإن شئت فمتعرجة ، تمثل في إعتقادك المسارات التي تود العيش وفق أسسها بحسبانها الحدود الأكثر توافقاً مع شخصيتك وطريقة تفكيرك ، وأهدافك التي تود تحقيقها في هذه الحياة ،.

لا علم لدي بمقدار النجاح الذي سوف تحققه في هذا المضمار ، لكن بالتأكيد فإنك ستنجح بالفعل في التغلب - بشكل أو بآخر - على إشكالية الدوران اللا متناهي بإستحداث نقاط إنتظار وتوقف ، واخرى للتامل والتفكير ، وثالثة لمعاودة المسير والإنطلاق ، وأياً ما كانت حظوظ النجاح ودرجات التوفيق التي سوف تحققها ، فإن اللافت أنك - على الأقل -  لم تستسلم لفكرة الدائرة في حياتك ، مهما بدت لك متسعة ورحبة ورغدة .


إذن .. لا تجعل الدوائر المحيطة بك تتداخل قدر الإمكان ، وحافظ على مسافة معقولة فيما بينها ، فلا تطغي إحداها على الأخريات ، ولا حتى أن تستغرق واحدة منها الأخرى ، وفي إطار الدائرة الأكثر إستحواذاً على نفسك وقلبك ، إرسم داخلها ما شئت من خطوط وأشكال وألوان ، وإترك لمخيلتك العنان ، ولكن إبدأ في العمل ، ولتعلم أن المائدة حتى ما عادت مستديرة  .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة