2015/04/19

ولكنها تدور .. !!



بقلم : ياسر حجاج
في أجواء غير حيادية ، وطقس مسموم ، أجريت ما أُعتبر مناظرة بين كل من الباحث / إسلام بحيري من جهة ، والداعية الصوفي الحبيب علي الجفري ، والدكتور أسامة الأزهري من علماء الأزهر الشريف من جهة أخرى .
لم يتسن لي متابعة هذه المناظرة ، ولكن قرأت عدد كاف من التعليقات حولها ، وأياً ما كانت النتيجة التي يتبناها أنصار كل فريق ، فقد بدا لي من الوهلة الأولى أنها تفتقد لأبسط قواعد الحياد والموضوعية ، ذلك أن إثنين من المتناظرين يمثلان وجهة نظر واحدة كانا في مواجهة شخص واحد وهو الباحث إسلام بحيري ، ناهيك عن الأجواء التي سبقت المناظرة ، التي نالت من الأخير إلى حد إخراجه من الملة بالكلية ، ولم يتبق سوى أن يكون أحدهم مهيئاً لتنفيذ الحد على هذا الذي أسموه مارقاً .

إنقضت المناظرة ليهلل السلفيون والأزهريون التقليديون والمتنطعون ، لما إعتبروه نصراً حاسماً وكاسحاً على الباحث إسلام بحيري ، الذي تسبب بنفسه - فيما أظن - في النتيجة التي يتحدث عنها الكثيرون الآن ، ولعل أهم ما خرجت به وتعليقاً على هذا الأمر ، أنه بوسع المرء أن يكون لديه - من حيث المبدأ - قضية عادلة جديرة بالدفاع عنها ، لها من الأدلة والشواهد والقرائن وشهود الإثبات عليها ، ما يجعله موقناً بها ، مطمئناً إلى سلامة موقفها ، ولكنه لم يحسن عرض وقائعها ، أو توظيف الظروف المحيطة بها بالشكل الذي يخدم قضيته ، فتكون النتيجة على غير المأمول والمرتجى ، فتضيع بالتالي عدالة القضية ، ونبل المقصد ، ويتوارى صوت العقل ، وسط صراخ الغوغاء المختلط بالتكبير والتهليل .

إذا أعتبر كل من الحبيب علي الجفري ، والدكتور أسامة الأزهري ، قد فازا في هذه المناظرة غير المتكافئة ، كما تؤكد ذلك أغلب التعليقات ، فليكن ، ولا يحزنني الأمر على كل حال ، رغم تعاطفي اللا محدود مع جوهر القضية التي يوليها الباحث / إسلام بحيري جل إهتمامه ، وعليه أن أراد مواصلة السير في هذا الطريق الوعر ، أن ينتبه لموضع قدمه ، فالكل الآن مشغول بعرقلته ، وإيقاف مسيره ، بل وتغييبه عن المشهد إن إستطاعوا ، كما عليه أن يتبنى طريقة أخرى ، أو مساراً بديلاً ، يقلل به حدة الإنتقادات التي نالت منه والتي كانت تصب في الأساس حول بعض (التفلتات اللفظية) هنا أو هناك ، فنجح المناؤون في إصطياده من خلالها غير مرة ، صارفين بذلك أذهان الناس عن التفكر حول حقيقة الأمر ، وجوهر القضية .

إن محاكم التفتيش لم يعد من الممكن الآن قراءاتها في سياق تاريخي ممل ، فأنا وأنتم أناس محظوظون حقاً أن أتيحت لنا رؤية بعض من مشاهدها على الهواء مباشرة .
صحيح أن هذه المحاكم تصدر أحكامها المسبقة قبل التحقق والتمحيص ، وصحيح أن قضاتها يعتبرون أنفسهم على حق طوال الوقت ، وصحيح أن المجددين والراغبين في قراءة واعية للنصوص كثيراً ما أنزلت بهم العقوبات ، أو أجبروا على التبرؤ منها ، ولكن صوتاً ما داخلهم ، كان يئـن - وإن يكن في صمت - من أنهم على حق .

*****
نص توراتي قديم كان موضع جدل ، حيث البطل العظيم (جوشوا) ، الذي طلب من الله أن تتوقف حركة الشمس ، ولا يهبط الظلام ، حتى يتسنى له القضاء على أعداءه في رابعة النهار ، فكيف لعالم كبير مثل جاليليو جاليلي أن يأتي ويقول أن الشمس ثابتة أصلاً لا تتحرك ، بينما الأرض هي من تدور حولها ؟
حُمل الرجل الذي ناهز السبعين من عمره آنذاك ، إلى حيث محكمة التفتيش التي يترأسها رجال دين ، حيث خُير ما بين الحرق ، او التبرؤ من نظريته ، فإختار صاغراً النجاة بحياته ، واصفاً نفسه بالمسكين البائس ، ولكنه عندما ، أخرج من المحكمة ، سمعه البعض يقول (ولكنها تدور) ! وتمضي الأيام ، وتثبت صحة نظرية (المسكين البائس) ، الذي أراد قراءة مغايرة لنص عتيق .

في الختام ، إن كان لي من نصح للباحث / إسلام بحيري ، فهو أن يعمل ويجد ويجتهد طالما كان مؤمناً بعدالة قضيته ، ولا بأس إطلاقاً من تغيير الطريقة والنهج ، مع المحافظة على جلاء الهدف ، وصفاء الغاية ، وأقول له ، يا عزيزي إسلام .. لا عليك من أولئك الذين لا يعرفون سوى الإختباء المريب وراء عمامة أو قفطان ، فأنت إنما قد دنوت - ربما بغير حساب - إلى لقم عيشهم ، وبضائعهم المزجاة .
وإعلم وفقك الله ، أنه لم يكن لمكعب زبد أن يقهر نصلاً حاداً يجرى التأكد من حدة شفرته عبر قرون ، ولكن كن على ثقة من أن طعم الزبد ورائحته ستصيب النصل أيضاً على كل حال ، وأن الدماء قد إنتصرت على حملة السيوف أحياناً .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة