2018/04/12

خُلُق القراءة !


بقلم : ياسر حجاج

من المرجح جدًا أن تكون القراءة ، قد أضافت إلى بُنيانك المعرفي ، قدرًا من السموق ، وشيئًا من الرسوخ ، ومن الوارد أنك قد بتَ الآن أكثر قدرة على الإنخراط في مناقشة المزيد من القضايا والأراء المختلفة ، مستعينًا في ذلك بالمخزون الذي ظللتَ عليه عاكفًا طوال سنين ، ترقب إرتفاع منسوبه ،  وتختبر جودة محتواه ، ومن المؤكد أنك قد وصلت الآن إلى شفا المرحلة التي تستطيع عندها المجاهرة بأرائك ، والدفاع عن كل ما تعتقد أنه الأقرب إلى  الحق ، والأدنى من الصواب ، مع القدرة على التعبير بصورة لا يخالطها وهنٌ أو ضعف ، قد ينال من مصداقية ما تقول ، أو يخدش سلامة المنطق الذي تستند إليه .

حسنًا .. لابد أيضًا وأنك طالعت بشئ من الرضا الممزوج بالبهجة أرفف مكتبتك ، ومررت بأصابعك الحانية على مغلفاتها الخارجية المُتربة غالبًا ، وكأنك تتذكر - وقد علت وجهك إبتسامة - في أي مناسبة إشتريتَ هذا الكتاب ، ومن أين دارٍ إقتنيتَ هذه الرواية ، وعلى من قرأتَ تلك النصوص التراثية العتيقة ، وفي أذن من سكبتَ روائع ذلك الديوان ، ولعل من حسن طالعك ، أن تكون قد وُفقت - في مرحلة ما - إلى خوض غمار الكتابة في مفكرة شخصية ، أو دفتر ذكريات .

كل ذلك حسنٌ جدًا ، لكنه يعد لا شئ ، نعم لا شئ ، إن لم تُحدث فيك القراءة ، الأثر المأمول ، والهدف النبيل ، والذي بدونهما تصبح الكتب أكوام حجارة ، وتغدو دواوين الشعر حفنة يابسة أو زرع هشيم ، فالغاية النهائية من القراءة ، ليست المتعة الذهنية وحدها ، ولا هي جمع شتات المعارف والعلوم فحسب ، ولا هي مجرد تحصين العقل أمام غوائل الجهل ، فالأثر والهدف ، ليسا في الحقيقة ، سوى أن تبلغ المرحلة التي يمكن تسميتها تجاوزًا أو حتى تسامحًا (بالطُهر المعرفي) ، الذي أراه لا يتحقق في قارئ ما ، ما لم يكن مستعدًا لمناقشة كل أرائه بقلب مفتوح ، وان يكون لديه ما يكفي من شجاعة ، تؤهله الإعلان عن إنصياعه لرأي مختلف إذا تبينت جدارته ، أو الإصطفاف وراء نظر مغاير ، كان خليق به أن يتقدم الصفوف .

إن أطيب ثمار القراءة ، أن تتمتع بروح نزيهة ، وموضوعية خالصة ، تترفعُ بها عن كل إنحياز سلبي أو تعصب مقيت ، بل وأن تضرب صفحًا عن كل ما تبنيت من أراء أو مواقف في السابق ، إن تطلب الأمرُ ذلك ، لتعاود البناء مرة أخرى ، وفق معايير جديدة ، دون أن ينال ذلك من كبريائك ، أو يوهن من عزمك ، بل العكس تمامًا ، فكل محاولة منك لإعادة تقييم مفاهيمك ، هي رصيد مُضاف إلى حساب ثقافتك ووعيك وإنسانيتك ، فالقراءة عملية ديناميكية مستمرة ، لا تكاد تهدأ ولا تعرف الركون ، وهي في النهاية أنبل ما يمكن أن يمارسه إنسان ، فيكفي أن تعرف هنا ، أن أصحاب الضمائر الحية ، كثيرًا ما يقرأون ! 


ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة