2018/09/06

أن تكونَ مسيحيًا !

بقلم : ياسر حجاج

 قبل النوم تتقرحُ النفس بكل الأسئلة الوجودية والمستحيلة والساذجة أيضًا، بدءًا من لحظة الإنفجار العظيم، مرورًا بأسباب عدم إنتشار إسم (سعاد) كثيرًا بين الإناث، ومبررات عزوفي عن شرب الحليب منذ حقبة الرضاعة، وصولًا إلى حجم سفينة نوح، وإنتهاءً بدواعي غضب البعض، لكون بعضهم الآخر أراد أن يصلي ! .

في معرض تبيانها لوقوع ُظلم عليها، كانت الوالدة "رحمها الله" كثيرًا ما تقول (مسلمةٌ قد وَقَعَت أخيرًا بين أيدي اليهود!) لِمَ اليهودُ تحديدًا ؟ لم أكن في الحقيقة أعرف. غير أنني الآن كبرتُ بما فيه الكفاية، لأدرك على وجه اليقين - وإن يكن بشكل مقابل - كيف هو الشعور الحقيقي لمسيحي ساقته الأقدار، للوقوع بين أيدي بعض المسلمين.

مازال النومُ يراودني وأراوده، لكنني وإياه لم نصل بعد إلى نقطة إتفاق أهجع بعدها قرين العين، فقد أشار عليَّ شيطانُ النعاس المحتال، أن أتقمص دور رجل مسيحي ولو لبضع دقائق، فأتجول في الشوارع وأرتاد المنتديات وأمشي في الأسواق، والحقيقة أني قد سايرته لبعض الوقت ، لكن الأمر كان أكبر من طاقتي وإحتمالي على الإستمرار في لعب هذا الدور المخيف ، فقد رأيت نفسي كطائر وديع يعيش في حديقة ديناصورات، أو كقارب صغير لا يجد أي مرفأ آمن، بينما تتقاذفه الرياح في وسط بحر لُجي متلاطم الأمواج.

حاولتُ أن أجترَ الذكريات، عُدت إلى الوراء كثيرًا، حيث منزل (عمو نقولا) الذي تعالى صوت زوجته (أبله سميرة) في الصباح الباكر - بينما كنتُ في ضيافتهما - على إثر شجار عابر مع جارة مسلمة لها، وإذا بها تقول بأنفاس باكية يعتصرها الأسى (لِمَ يفعلون بي ذلك، هل لأنني مسيحية.(! 

لم يكن الوعي يومها مكتملًا أيضًا، لأقف على حقيقة شعورِ أن يكون أحدهم مسيحيًا ! ولكن وجدتُ شيئًا من الإجابة على وجه زوجها الذي أطرق إلى الأرض، فيما كان أولادُها ينظرون في اللا شيء !


كبرتُ ومازلت أكبر، وعلى الأرجح أني سأظل أكبر، لأقف أكثر وأكثر على كنه وحقيقة أن يكون المرء مسيحيًا، في وطن يكره الحياة ويزدري البهجة ويعادي التنوع، ويقتات على الجزية. وطنٌ يدفع الجميع إلى الموت عن هذا العالم أو فيه، فلا شيء يهم الآن، طالما بقينا نردد كل كلمات المواساة الحمقاء، ونلوك الباهت من عبارات التعاطف البائسة ! كل ما أرجوه أن لا تتأخر الأقدارُ في الدفع بنا إلى فاترينات العرض بمتاحف التاريخ الطبيعي !

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة