2015/02/15

هيا .. إقرأ تاريخك


نتيجة بحث الصور عن لفائف التاريخ

بقلم : ياسر حجاج

 من البديهي العقلي ، ومن المعلوم من الوعي بالضرورة ، التأكيد على أن التاريخ ، أي تاريخ ، أياً ما كان زمانه أو مكانه ، لا يخص أمة بعينها ، وإن كانت صاحبته ، ولا يتعلق بدين بذاته ، وإن كان نتاجه ، ولا ملتصق بعرق خاص ، وإن كان وعاؤه .
فالتاريخ ليس سوى لفافات إنسانية محضة ، يجرى تلقفها وتناولها وتداولها ، من حقبة لحقبة ، ومن جيل لآخر ، فالتاريخ إرث بعرض الوجود ، وبعمق التجربة الإنسانية ، فهو ينتقل لا لذوي الأرحام والقرابات فحسب ، وإنما لكل أحد كان لديه إهتمام كافِ بطرح أسئلة من عينة ( ماذا - متى - من - كيف - لماذا ) .

وعليه ، فإني لا أعتقد ، انك ستكون على صواب ، إن قلت لي أن ما يُشغلك في التاريخ ، هو فقط ما يخص ماضي أمتك أنت ، أو دينك أنت ، أو عرقك أنت ، وإن قلت لي أنك إنما تقف عند حدود إهتماماتك الضيقة ، أو حاجاتك الخاصة ، قاطعاً بذلك كل صلة بما هو خارج عما تعتقد أنه الأكثر قرباً لك ، أو إلتصاقاً بك ، فظني أنك ستكون بحاجة عاجلة لمراجعة نهجك المعرفي ، ويا حبذا لو ألقيت نظرة متأملة على المعين الذي تنهل منه ، فلعلك تدرك وقتها كم كان قاصراً ، ضيقاً ، ومتحيزاً .

إن حياتنا التي نحياها في هذه الدنيا ، جد قصيرة ، ولن تُتاح لك بالتأكيد تلك الأعمار الطويلة ، لتخوض غمار كل التجارب ، وتعاين بنفسك كل المشاهد ، وبالقطع فإنك ستغادر - يوماً ما - وسيكون هناك العديد مما لم تره أو تسمع عنه ، أو حتى تتفاعل معه ، وهنا يأتي دور التاريخ ليحل لك جزء من هذا الإشكال ، فيضعك أمام مرآة الزمن ، فتدرك تماماً كم تتشابه - فيما بينك والآخرين - الآمال والطموحات ، وتتقارب فيها إلى حد بعيد الآلام والملمات ،  فتجربة أحدهم الإنسانية في جهة ما ، أياً ما كان موضوعها ، قد تكون ملهمة لك بشكل أو بآخر ، كما أن ألمك أنت ، وإن شئت فأملك ، قد يكون أحدهما أو كليهما ، محل اهتمام أو شغف أحد آخر ، هنا او هناك .

المقدمة السابقة ، أملتها مشاعر دافئة إجتاحتني ، بعد أن دلف إلى خزانة كتبي ، سِفرجديد للتاريخ ، ووافدي الذي أحتفى به معكم الآن ، ليس كتاب للتاريخ بالمعنى التقليدي الممل ، بل إن شئت ، فهو قارب عتيق لا يخلو من أناقة ملفتة ، حيث يتناوب على قيادة دفته ، الأعلام من كل صنف ولون ، قادة ومفكرون ، فلاسفة وسياسيون ، حكماء وخطباء ، ملوك وسفاكو دماء ، ويستأذنك المؤلف - عبر 40 فصلاً -  أن يتولى القيادة في كل فصل منها واحداً أو أكثر من هؤلاء .

سيكون هذا الكتاب مفيداً جداً لك ، إن أردت الإلمام بشئ عن روما وأثينا القديمتين ، وسيكون لديك قدر من الإلمام المفيد حقاً عن حكمة بوذا وكونفشيوس وسحر الشرق بوجه عام ، ولعل من الجميل أيضاً أن تُلقي نظرة عابرة على السوميريين ، والأشوريين ، والبابليين ، والفينيقيين ، وسيصطحبك الأسكندر الأكبر في كثير من غزواته وفتوحاته ، ستتعرف عن كثب ، كم هو رائع نهر النيل العظيم ، وستعرف معلومات قيمة حقاً عن الفراعيين ، كما أن فارس وغيرها كانت حاضرة في كثير من المشاهد ، ولم تغب بالتأكيد حقبة عصر النهضة الأوروبية ، وغير ذلك كثير .

342 صفحة ، عشرات من الصور ، وخرائط المعارك والفتوحات ، وجداول مُعَربة للعديد من الإصطلاحات والعبارات الإنجليزية الشهيرة الواردة في سياق الكتاب ، ماذا تريد أفضل من هكذا كتاب تهديه لأولادك ؟ .
ونصيحتي ، أن لو يا حبذا لو ألقيت على مسامع زوجتك (زوجك) قبل النوم ، بعض من فصوله القصيرة ، بدلاً من الإستغراق اللا معقول في قراءة فواتير إستهلاك الكهرباء والهاتف .

إي إتش جومبريتش 
إن كتاب (مختصر تاريخ العالم) للمؤرخ والمفكر البريطاني إي إتش جومبريتش ، هو مختصر حقيقي ورائع للحضارة الإنسانية ، فهو يعطيك قدراً لا بأس به من المعارف الأولية ، والعناوين الرئيسية ، والمعلومات الضرورية في كل شأن تناوله ، أو عرض له ، وهو بالتالي يُحفزك ، ويفتح شهيتك لقراءة أكثر عمقاً في المستقبل ، عن كل ما وقفت عنده ، أو إسترعى إهتمامك بينما تطالع فصوله ، ولعلك ستدرك ببساطة أن رحلاتك عبر فصول الكتاب ، لم تكن سوى سرد يتناولك أنت شخصياً بوجه من الوجوه ، فأبطال الحكايا ، ورموز المشاهد ، هي أنت أو هو ، هناك أو هنا ، وشاهدي في ذلك ، أنك لن تشعر بالإغتراب ، مهما يممت شرقاً ، أو إتجهت غرباً ، فالتاريخ هنا تاريخك .


أخيراً .. إذا كنت تنظر ببعض الريبة إلى التاريخ (مثلي) ، فلا تجعل هذا الأمر يقف حائلاً أمام إقدامك على القراءة ،  وإليك ما قاله أديب فرنسا الكبير أناتول فرانس الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1921 ، من أن ( كل كتب التاريخ التي لا تحتوي على أكاذيب هي كتب مملة للغاية ) .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة