بقلم : ياسر حجاج
التاريخ .. ما التاريخ !! سفر يُعنى غاية
العناية بأن يقول لك ، ماذا حدث ، ومتى حدث ، وكيف حدث ، ولماذا حدث . ليس الأمر
دائماً على هذه الشاكلة السلسة ، فأحياناً كثيرة ، لا حدث قد وقع إبتداءاً ،
ومع ذلك فإن شرذمة من المؤرخين الظرفاء ، يُصرون على أن يصفوا لك (أن هذا الذي لم
يحدث) متى حدث ، وكيف حدث ، ولماذا حدث ! ومطلوب منك كقارئ ، أن تصدق هذا الذي حدث
، وذاك الذي لم يحدث أيضاً ! .
ورغم ذلك ، ولأنني إمرؤ لا يكاد يتعلم من
أخطائه ، فإن كتب التاريخ مازالت تحتل المرتبة الأولى في قائمة مشترياتي ، لا أدري
لماذا تحديداً ، لعل أحد المبررات هو حبي اللافت للحكايا وسمر الليالي ، والتلذذ
بتلك الأنخاب الدائرة على شرف كل من قد سلف أو تلف ، والتفكه بتتبع خبر كل من قُبر
أو غبر .
والتاريخ من قبل ومن بعد لا يخيب رجاء المحبين ،
فأيا ما كان الهوى الذي ترنو ، أو الفن الذي ترجوا ، ستجد أن هناك دائماً طرفاً من
خيط يُغريك بلمسه ، من المهم جداً أن تُدرك إلى أين يأخذك هذا الطرف ، ذلك أن
تجاهل الأمر ، أو التعامل معه بخفة ، قد يقودك من حيث لا تحتسب إلى (مشنقة تاريخية)
، كان هذا الطرف الناعم الذي إستهنت به ، جزءاً من نسيجها ، وكنت أنت لسوء طالعك
أحد ضحاياه .
ولأنه في جزء منه سئ السمعة ، عمد المؤرخون
حديثاً إلى وضع قواعد منهجية ، وأصول علمية ، يقولون أنك من خلالها تستطيع كباحث
متخصص أو حتى كقارئ متلصص ، التثبت - إلى حد ما - من صدقية ما كان من أمر أخبار الأمصار،
هم يقولون ذلك ! من جانبي .. لا تتوقع مني أن أقول لك كيف تقرأ التاريخ ،
فأنا حتى لا أعرف على وجه اليقين .
لكن ما أعرفه ، ولعلي أود منك أن تعرفه ، أن
لا تجعل من عقلك مستودعاً لمتاع المؤرخين ، وقصاصي الأثر عبر السنين ، يتطلب الأمر
منك بالتأكيد ، وعياً وضميراً وحياداً ، بالمناسبة ومن واقع التجربة ، ليس من
اليسير عليك في بادئ الأمر ، أن تأتي بها جميعا ، ولكنها فيما أظن ، لافتات
إرشادية يجب أن تكون حريصاً على أن تُبقيها مضيئة - قدر إستطاعتك - في كل الصفحات
التي تمر من تحت عينيك ، يستوي في ذلك عندي وعندك ، بيتاً في ديوان شعر ، أو أثراً
في كتاب فقه .
التاريخ على حبي له ، قد يُشكل أحياناً حقل
ألغام ، ومن أسفٍ أنه لا توجد خرائط واضحة ، تشير إلى موضع الخطر ، أو موطن العطن ،
ليس مستغرباً أن أتورط أحياناً ، وأبدي ندمي - من بعد ذلك - في كثير من الأحيان ،
من منا لم يتورط بشكل أو بآخر ؟ لكن .. لن يكون منصفاً دائماً أن أُلقي بالتبعة
على الآخرين ، أو أُلصق التهمة بأقرب مؤرخ رأيت إسمه على مجلد أنيق ، فالمؤرخون
أحياناً يتورطون ، أليس كذلك ! فأنا من أنصار المدرسة التي تقول : إن زعم أحدهم وصلاً بليلى ، فلا تصدقه حتى
تقر له ليلى بذاكَ ، مع خالص إعتذاري لمجنون بني عامر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق