2015/11/10

والله زمان !!


بقلم : ياسر حجاج
 في ساعة متأخرة من الليل ، في بقعة شبه مظلمة ، على خريطة باهتة ، في أكتوبر 1980 ، وفي اليوم الثاني منه تحديداً ، بدا وكأني على وشك معاينة ليلة إستثنائية في كآبتها ، مازالت تفاصيلها عالقة بذاكرتي حتى الساعة ، وكأنها ليلة البارحة وليست ذكرى جاوز عمرها الخمس والثلاثون عاما ً ، محبوبي المفضل وقتها ، محمد علي كلاي في نزال هو الأشهر تقريباً في حياة الرياضي الفذ ، لأنه في ظني الذي وضع حداً فاصلاً بين الأسطورة الحية ، وبين الواقعية الأكثر حيوية فيما بدا ، مباراة شاهدتها منفرداً ، وقد منيت النفس - قبل بدئها- بأني سأكون أحد الشهود على كتابة سطوراً جديدة من الملحمة ، وكان كل رجائي ، ألا يفسد كلاي متعتي فيبادر إلى الإجهاز على منافسه في الجولات الأولى وبالضربة القاضية الفنية كما تعود ، فقد أردتً - وأنا دون السابعة عشر حينها- مشاهدة المهارات غير المعتادة ، ولعدد اكبر من الجولات ، أردت معاينة كيف تكون الإستهانة بالخصم الذي نازع الملاكم العظيم مكانته ، ويريد - بصفاقة الآن - تجريده من لقبه ، كبطل للعالم في الوزن الثقيل .

بدأت المباراة ، ولكن كلاي كان غائباً ، فمن حضر ليس سوى الصورة الشائهة التي تسمت بإسمه ، وحملت ملامحه ، ونسيت أن تستحضر روحه ، أتذكر وجيب قلبي ، وأنفاسي المحتبسة ، وأنا أرى المحبوب ، تنهال عليه اللكمات ، ويُحاصر في كل الزوايا ، كانت عيناه زائغتين ، تستحثان رنين جرس أن يدق معلناً إنتهاء الجولة ، ليسترد بعض من وعيه المفقود ، تكرر الأمر في الواقع طوال المباراة المقدر لها أصلاً 14 جولة ، ولكن في الجولة العاشرة ، بلغت المأساة غايتها ، والكمد منتهاه ، وشاهدت بعين دامعة كيف أن البطل العظيم ، لم يعد قادراً على أن يدفع عن نفسه اللكمات المهينة من منافسه لاري هولمز ، لم أكن لأصدق ما أراه حقاً ، وبإنتهاء هذه الجولة ، سمعت الجلبة والصراخ في الركن المخصص لجلوس كلاي ، حيث أنه قد أجبر على إيقاف المبارة من خلال طاقمه الفني ، فلقد أراد مساعدوه أن لا يشاهدوا اللحظة التي يسقط فيها كلاي على الأرض إن إستمرت المباراة ، فيتمرغ تاريخه في التراب ، وبصوت عصبي حاد ، صرخ المدير الفني لكلاي في وجه حكم المبارة ، ( أوقف النزال - Stop The Fight  ) ، لم تكن وحدها المباراة التي توقفت ، فقد كففت أنا معها عن الإدراك لبعض الوقت ، تسمرت في مقعدي ، أغلقت التلفاز ، وبأرجل ثقيلة أكاد أجرها جراً ، ذهبت لغرفة نومي ، تمددت على فراشي ، وأنا لا أدري إن كنت سأتمكن من الخلود إلى النوم بأي حال ، وتعلقت عيناي بسقف غرفتي ، وأنا لا أصدق ما رأيت .. ربي أقم الساعة ، كان هذا شعور صبي على أي حال .

بمرور الوقت أدرك أكثر فأكثر ، أن باب الآمال العظيمة ، هو ذاته باب الإحباطات العظيمة ، كثيرة هي الأشياء والأسماء والشخوص التي تكبر في ناظريًّ ، وتتعلق بها روحي ، أنظر إليها بقلق ، وأرقبها بتوجس ، متمنياً أن لا تأتي اللحظة التي أعود فيها دامع العينين ، أو متفرساً في أسقف الحجرات ، أو متعجلاً قيام الساعة .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة