2011/03/04

(4) هوى الإستبداد .. شرقي السمات

تأليه الحاكم في الشرق

3- الطاعة البابلية



كانت السلطة السياسية في بلاد ما بين النهرين تستند بإستمرار إلى مصدر إلهي ، فلقد هبط النظام الملكي من السماء ، والملك هو (حاكم المدينة ) ، وهو ( الكاهن الأعظم ) وهو نائب الآلهة ومندوبها ، ويفاخر الملوك بالأصل الذي ينتسبون إليه ، ولكنهم في الوقت ذاته لا يفتأون يذكرون الناس بإختيار الآلهة لهم ، وإذا ما إختار الملك إبناً ليتولى الحكم بعده حرص على أن يعرض هذا الإختيار على الآلهة لتقره ، وبعد المصادقة على الإختيار يقسم الإبن يمين الولاء والخضوع والإحترام لأبيه ، ويدخل ( المختار ) إلى بيت الوراثة ) حيث ًيدرب على مهام منصبه المقبل ، ولم يكن ملك بابل من الوجهة القانونية إلا وكيلاً لإله المدينة ومن أجل هذا كانت ُتفرض الضرائب بإسم الإله ، وكان الملك أثناء تتويجه يُقام له حفل كبير فتخلع عليه الكهنة سلطته الملكية .

يستطرد مؤلف كتاب الطاغية فيقول أن الفضيلة الكبرى في بلاد ما بين النهرين عموماً وبابل بصفة خاصة هي الطاعة التامة ، فالدولة تقوم أساساً على الطاعة والخضوع للسلطة حيث كان الفرد يقف في مركز مجموعة من الدوائر المتلاحقة تحد من حرية عمله ونشاطه حيث ُيوصي العراقي القديم بهذه العبارة ( إسمع كلمة أمك كما تسمع كلمة إلهك ، وإسمع كلمة أخيك الأكبر كما تسمع كلمة أبيك ) ، وعموماً فإن دور الملك الرسمي في بلاد ما بين النهرين أنه ممثل الآلهة على الأرض أو أنه ينوب عنها وهي - أي الآلهة - تتوقع منه أن يعامل الناس بالعدل وبلا محاباة بحيث يدافع عن الضعيف أمام القوي وأن يكون نصيراً لليتامى والأرامل ، وكان يوجه إلى الإعتبارات الأخلاقية لما تجلبه من رضا الآلهة وبركاتها وما يمنع لعناتها .

4- بلاد فارس



كان الفرس يطلقون على الإمبراطور لقب ( ملك الملوك ) وهو صاحب السلطة المطلقة في طول البلاد وعرضها ، وقلماً كان أحد من الأهالي ومنهم كبراء وأعيان يجرؤ على إنتقاد الملك أو لومه لدرجة أن كان كل ما يفعله من يرى الملك أن يقتل إبنه أمام عينيه رمياً بالسهام أن ُيثني على مهارة الملك العظيمة في الرماية ، وكان المذنبون الذين تلهب السياط أجسادهم بأمر الملك يشكرون له تفضله بأنه لم يغفل عن ذكرهم ! ، وكانت هناك عادة السجود للملك على كل من يقترب منه .

5- الصين



كان التنظيم السياسي في الصين القديمة يقوم على أساس أن الإمبراطور يستمد سلطته من السماء ، فهو يحكم وفقاً للحق الإلهي الذي يخوله سلطة مطلقة وكانت عبارة ( مقبول من السماء ) عن طريق الشعائر هي رخصة المُلك والسيادة ، وهي التي تزوده بالنفوذ السياسي القوي الذي يُلزم رعاياه بالولاء له ، فهو إبن السماء وممثل الكائن الأعلى ، ومن أجل ذلك فإن مملكته ُتسمى أحياناً ( تيان شان ) أي التي تحكمها السماء وقد ترجم الأوربيون هذه العبارة بالمملكة السماوية ، وبفضل سلطات الإمبراطور الإلهي كانت له السيطرة على الفصول ، فكان يأمر الناس أن يوفقوا بين أعمالهم وبين النظام السماوي المسيطر على العالم ، وكانت حكمته هي القانون وأحكامه هي القضاء الذي لا مرد له ، فهو المدبر لشئون الدولة ورئيس ديانتها ويختار من يخلفه على العرش ، وكان إذا ظلم الإمبراطور أو فسد حكمه خسر بحكم العادات المرعية وبإتفاق أهل الدولة ( تفويض السماء ) وأمكن خلعه دون أن ُيعد ذلك خروجاً على العادات والدين أو الأخلاق ، فقد كانت السماء ُتبدي غضبها بأن تقلب الطقس في غير أوانه أو ترسل علامات أخرى كالصواعق .

وإختصاراً فإنه لم يكن هناك أي لون من ألوان الرقابة الشعبية على الملك فهذا الأمر لا أثر ، فالملك يستشير إذا شاءت إرادته الملكية ومن حقه ألا يستشير فلا شيء يلزمه بقبول المشورة أو الإلتزام بآراء الآخرين ، فليس هناك سوى الإرادة الملكية التي هي إرادة السماء ، أما الشعب فلا وجود له ، وإذا كان الإمبراطور يتحدث إلى الشعب بإستمرار بجلال ورقة وعطف أبوي ، فإن الشعب ليس لديه عن نقسه إلا أسوأ المشاعر الذاتية ، فهو يعتقد بأنه لم يولد إلا ليجر عربة الإمبراطور ، فذلك هو قدره المحتوم ، ولا يبدو لهم الأمر مزعجاً أن يبيعوا أنفسهم كعبيد وأن يأكلوا خبز العبودية المر .

ُيتبع

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة