2011/09/02

قديم الأسئلة


عزيزتي / مدام شويكار

تحية وسلاماً

ها أنا أعود إلى الكتابة إليك من جديد ، إلكترونياً هذه المرة بعد أن شاركت ويا للأسف في توديع طرق البريد التقليدية ، فلا مداد ولا أوراق ولا طوابع بريد ، إنما حروف بلهاء رقم دقة نظمها ووضوحها وحتى جمال ألوانها ، ودعت كذلك العبارة التي كنت أكتبها على ظهر مغلفاتي متوجهاً فيها بالشكر لكل رجال البريد الحاملين لرسائلي إليك ، لا أعرف على وجه الدقة إذا كان يتعين أن أتوجه بالشكر لأحد ما هنا .

عزيزتي ... مضت ربما أعوام طويلة جداً على تاريخ آخر رسالة مكتوبة لك ، أشعر الآن وبعد كل هذه الأعوام بقدر كبير من التحرر ، فضلاً عن الجرأة النسبية على الإشارة بوضوح إلى مواضع القلق ومنابته الأولى ، لا أتوقع منك وصفة طبية جاهزة ولا حتى تركيبة دوائية من عينة أعشاب طبك البديل المحبب إليك ، ذلك أنني أعتبر أن مجرد الكتابة إليك ليست نوع من الإستشفاء الذاتي بل أنه وفي أحسن تقدير نوع من تحييد مناطق الألم أو إبطاء كمياءه التفاعلية ، في العلوم العسكرية يسمونها مناطق منزوعة السلاح بحسبانها مناطق توتر ، أعلم أنك خبيرة في هذا الملف وإن كنت لم تبلغ فيه القمة والكفاية لا لعيب في قدراتك وإنما لأنني ربما لا أمنحك الفرصة الكاملة لتقومين بتصفح خارطتي الجينية بدقة .

كما تعودتي مني سأكون صادق القول معك ، فأنت تعلمين أن فنون الكذب معك تتوارى ، فحيلي القانونية وإجاباتي الدبلوماسية يا عزيزتي ما عادت بذات جاذبيتها الأولى كأنها هي الأخرى هرمت أو تريد أن تتقاعد ، وإن كنت مازلت أحتفظ بالبعض منها ، سأطرح عليك التساؤلات كما تعودت دوماً ، وسأهيئ نفسي لتلقي الإجابات التي ما كانت لتخطر لي على بال ، وسأحاول أن أخفي دهشتي من تحليلك وكأنني أعمل على التقليل من شأن عمقها أو صراحتها ، وربما سألجأ كما في كل مرة إلى المناورة لكي أتجنب النظر في المرآة التي تقومين بوضعها أمامي بكل حكمة وإقتدار وكأنك تقولين لي أن الصورة التي تعكسها المرآة هي ذاتها الأسئلة وهي ذاتها الأجوبة في آن معاً ، تعلمين أني ملول حتى الملل ، فكوني كما عهدتك متواضعة لينة الجانب ، وترفقي كما تترفق العين الخبيرة بموضع الزهر الأخضر كي لا ُيحال إلى هشيم تذروه الرياح .


إليك أسئلتي وأعلم أنك لن تسخري منها وإن بدت موضعاً لسخرية العالمين ، ذلك أنك ما كنت لتقفين عند حدود الألفاظ بقدر سعيك وراء المقاصد والمعاني .

  • - لما أجدني وأنا في إنتظار لحظتي التالية أنسى في الغالب لحظتي الأنية ؟
  • - لما أجدني أرقب بشغف وشاعرية القادم أكثر من حماستي أو تفاعلي مع الراهن ؟
  • - لما في صيفي الحار أجدني أرسم صورة دقيقة للشتاء بدفئه وإحساسه الأكثر دفئاً ، ولما تختلط لدي دائماً حسابات فصلي الربيع والخريف ؟
  • - هل من العسير جداً على الأفهام أن أحاول تسمع زخات المطر وهي تداعب بلطف ودلال النافذة الزجاجية لغرفة نومي رغم أننا في شهر أغسطس بقيظه وحره ؟
  • - وهل ترين شيئاً من المبالغة إذا حسبت الضوء المنساب عبر النافذة إلى حيث فراشي ما هو إلا ضوء برق مصحوب بصوت رعد يؤذن كل منهما ببدء موسم من الليل الطويل ؟
  • - وهل تجدين سبباً وجيهاً يمنعني من إعتمار قبعة للمطر وإرتداء معطف من الصوف في درجة حرارة خارجية تناهز الخمسين ؟
  • ولما يعد السير تحت المطر أحد أهم الفضائل الإنسانية ؟
  • - وهل تجدين منطقاً يتوافق مع عدم تطلعي إلى الإمام بذات القدر الذي يتعلق بالنظر إلى حيث الأفق البعيد اللا متناهي ؟
  • - وهل تجدين أنه من المبهر حقاً أن يكون مصدر المتعة مؤجلاً بصفة دائمة ؟
  • - لما مع تفتح مسامات جديدة للتخيل يظل اليقين شارداً ؟


إذن فتلك أسئلتي أوردها لك مختصرة ، فعاودي قراءتها وتمهلي في الإجابة عنها ، فلست في عجلة من أمري ، فلقد ظللت عقود طويلة أطرح ذات الأسئلة بصيغ وأشكال مختلفة ، وأصدقك القول أني لا أتوقع منك إجابة شافية ولا وافية وهذا ربما جزء من مشكلتي ، فالإجابات دائماً محل شكي وتوجسي ، والحلول في ظني بمثابة مشكلة إضافية ، وأن النقطة التي بنهاية السطر ما هي إلا إستهلال رتيب لفقرة جديدة ... وتقبلي في النهاية خالص تحيتي ومودتي .

أبو البنات

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

لو أشرت في نهاية هذه التدويمة إلى تدوينة "وحيد في المنزل" لتصبح الصورة أوضح لقارئها وحتى لمدام شويكار لأنها من المؤكد لم تقرأها،
بدأت أتخيل مدام شويكار وهي ترمق تطفلي بنظرة ملؤها الغضب من تحت نظاراتها!.. ولذا سأغادر قديم الأسئلةإلى جديدها

البنات حسنات يقول...

لا عليك من تطفل مدام / شويكار فالنظرات الخفية من تحت نظارتها سبق لها وأن حولتها إلى أسئلة بريئة من عينة (( مين سراج دي ؟ )) ، فأجبتها بأنها القارئة الوحيدة التي لديها صبر على القراءة وصبر أكبر على التعليق .

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة