2011/09/17

قول على قول


عزيزتي / مدام شويكار
تحيتي ومودتي ،،،

كيف حالكِ ؟ علمت أنكِ جنيتِ محصول الزيتون لهذا العام ، لعلك الآن تشعرين ببعض الغبطة فأنا أعلم كم تحبينه زيتاً وثمراً ، على أية حال وددت قبل أن أوافيكِ بردي على جوابكِ أن أورد لكِ أولاً قصة مختصرة حسبما أسعفتني به ذاكرتي بعد إدخالي بعض التعديلات عليها لتتناغم مع الخط العام للرسالة .

ففي لقطة سينمائية هوليوودية ، تمددت سيدة في منتصف الخمسينات تقريباً على فراش المرض بإحدى المستشفيات بينما كانوا يهم الأطباء بإجراء عملية جراحية أخيرة لها وكانت نسبة نجاحها فيما يبدو ضئيلة للغاية ، وإصطحب رئيس الفريق الطبي المعالج أربعة من شباب المتدربين من الأطباء المتخرجين حديثاً من كلية الطب إلى حيث غرفة المريضة وطلب من كل واحد منهم حسب دوره في الفريق أن يسأل المريضة سؤالاً واحداً عن حالتها المرضية فدار بينهم الحديث التالي :-

  • الطبيب الأول : سيدتي .. هل هناك تاريخ مرضي في العائلة لذات المرض الذي تعانينه ؟
  • المريضة : أجل أيها الطبيب ، كانت أمي مصابة به ، وبه ماتت .
  • الطبيب الثاني : سيدتي .. إذا تم بتر ساقك فهل تقبلين التعايش مع أية أطراف صناعية تعويضية أم أنك تفضلين إستخدام مقعد متحرك ؟
  • المريضة : تبدو خياراتي محدودة أيها الطبيب .
  • الطبيب الثالث : سيدتي .. هل لديك علم بأنه حتى في حال نجاح العملية فإن أجزاء أخرى من أطرافكِ قد تكون معرضة للبتر في وقت لاحق ؟
  • المريضة : أطرقت هنيهة ثم قالت .. ها قد علمت منك الآن أيها الطبيب .

وهنا تقدم إليها الطبيب الرابع ببطء وجلس على حافة فراشها وأمسك بيدها ثم طوق بأصابعه أصابعها ثم نظر في عينيها ملياً ثم سألها .. سيدتي .. كيف هي معنوياتكِ ؟ فنظرت إليه وقد أدهشها السؤال وإرتسمت إبتسامة ملؤها الحياة على صفحة وجهها الشاحب .. فأجابته .. أنا بخير أيها الطبيب .. شكراً لك .. ولكن كيف حالك أنت ؟ فأومأ إليها باسماً أنه على ما يرام كذلك ، ثم بادر بإرخاء ستارة النافذة المقابلة لها قليلاً ، وقال لها إن الشمس اليوم مشرقة ، أعتقد أنه سيكون يوماً رائعاً ، فإبتدرته باسمة .. لعله كذلك فعلاً .

وبعدما خرج الجميع من غرفة المريضة إبتدره رئيس الفريق الطبي قائلاً .. أيها الطبيب .. لما لم تسأل المريضة سؤالاً عن حالتها المرضية كحال أقرانك ؟ فقال له .. بلي قد فعلت يا سيدى ، لو دققت قليلاً فيما قلت لعلمت أني قد سألتها السؤال الأهم ، ثم تركه وإنصرف .

*****

عزيزتي .. هل أدركتِ الدلالة ؟ هل كفتكِ الإشارة ؟ هل تريدين مزيد من البيان والتبيين ؟ حسناً .. سيتسع صدري الآن على الرغم من أنه لم تجرِ بذلك عادة ، ففي تقديري أنكِ في ردكِ لي لم تفعلِ أكثر مما فعله الأطباء الأول والثاني والثالث ، صحيح أنك كنت في معرض للجواب وكانوا هم في معرض للسؤال ولكن النتيجة واحدة ، فليس يكفينا أن تكون لدينا القدرة على طرح الأسئلة ولا إقتراح الأجوبة ، وإنما الأهم هو كيف نطرح السؤال بإنسانية ونقترح الجواب بنبل ، إن طرح الأسئلة الصادمة وإن كانت واقعية كسهم نغرزه بلا رحمة في النفوس دون إعتبار منا ولا تتبع لأثر الألم وموضع الإصابة ، وكذلك الحال هي الأجوبة ، فما لم نكن على يقين من أن الجواب سيقع في أفضل ما نحب من مكامن النفوس ، فالإمساك عنه أفضل ، فليتكِ أمسكت ِ .

عزيزتي .. غالباً ما تشكل الأجوبة مآزق ومتاهات ، فالجواب يفترض به أن يُحرر المسألة لا أن يضيف إليها معادلة ، ولا أخفيكِ أنني نظرت إلى أجوبتكِ نظرة الشاك المرتاب ، ثم رأيت بعد إجالة الخاطر فيها أنها لم تكن أجوبة بقدر ما كانت فتحاً لأبواباً جديدة من الجدل والأخذ والرد ، ناهيكِ عن كونها قد ِصيغت بأسنة أقلام مدببة ، حادة وموجعة ، فعلى رسلك يا عزيزتي ، فما هكذا تورد الأبل ، ذلك أن الأبل إذا ما ظمأت سقناها إلى المسقى وليس إلى المرعى ، ورقيق السؤال لا يُقابل بجفاء الجواب ، ولا جد المسألة بساخر الأجوبة ، فما هذا هو العهد بك ولا المرتجى من حلمكِ ، فما أعجب تحولكِ من السعة إلى الضيق ، ومن الملاطفة إلى المناكفة ، حبذا أخيراً لو تنظرين إلى مسلك الطبيب الرابع في القصة الآنفة ، فتجعلي للود حيزاً وللأمل موضعاً ، ولا تتجاسري على من ألجأته إليك الحاجة ، وأما السائل فلا تنهر .

دمتِ ودام معشرك ،،، والسلام

أبو البنات

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

[غالباً ما تشكل الأجوبة مآزق ومتاهات].. هذا لأننا في أغلب الأحيان لانجيب السائل بقدر ما نجيب أنفسنا:)

البنات حسنات يقول...

هذا صحيح سراج ، وذاك في الواقع أمر لا ينتبه إليه الكثيرون ، بدا لي الأمر كمريض بالإكتئاب أعطاه طبيبه دواء لمعالجة نزلات البرد ... تحياتي .

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة