2007/02/10

شيخ القبيلة


إن من مقاييس الحكم على نظام سياسي ما بأنه نظام حي يعيش بين أحياء من عدمه يتجلى في إنتهاجه لمبدأ تداول السلطة لا توريثها ، وتوزيعه العادل لثروات أمته لا إنتهابها ، ومساواته في الحقوق لا إنتقاصها ، وإحترامه لأحكام القضاء لا العصف بها وصونه ورعايته لكرامة الإنسان لا إهدارها ، وبالتالي فإن أي نظام سياسي لا تتوافر بها هذه المقاييس أو المقومات سيكون من السخافة بمكان أن نصنفه بأنه نظام محسوب ضمن أنظمة الحكم الديمقراطية في العالم المعاصر ، وإن كنا بالطبع سنجد له تصنيفاً منطقياً ومستحقاً ضمن قائمة أنظمة الحكم البالية والأمم المترهلة ، ويا أسفاه ... فأننا نحن العرب عموماً ( عاربة ومستعربة ) ومع مطلع العام السابع من الألفية الثالثة مازلنا محكومين لا بهذه المقاييس وإنما بمقياس أو نظرية شيخ القبيلة المستبد الذي تؤول إليه مقاليد الأمور كلها كبيرها وصغيرها ، يحكم فينا بحكمه ويرينا ما يرى ، ولا تملك رعيته سوى أن تقول له سمعاً وطاعة ولو جلد ظهورها ، وإنتهك أعراضها وشردها وهجرها ، وسفه أحلامها وإستخف بكرامتها وإستهان بآدميتها أو حتى أطاح برؤس العقلاء فيها . ونظرية شيخ القبيلة المستبد إن صح العمل بها في إطار مجتمع صغير يترابط أعضائه بعرى القبيلة ومصالحها العشائرية الشخصية الضيقة التي لا ترى أبعد من حدود مضاربها ، ومرابط خيامها ، وأبار مياه نياقها ، ووديانها التي تسرح فيها ليلى العامرية فيمطرونها بأشعارهم ، فإن الأمر يصبح جد مرعب إن جرى تعميم هذه النظرية الخرقاء على أمة بكل مكوناتها الثقافية ومخزونها الحضاري العميق وهو الأمر الحاصل بفعل فاعل في بلداننا العربية والإسلامية وحتى الآن مع سبق الإصرار إلا من رحم ربك ، فقد مرت السنون وتعاقبت فينا القرون وبقى الشيخ المأفون في مكانه لا يبارحه ، أينما وليت وجهك فهو في مكان ما ، فهنا شيخ مؤيد وهناك شيخ مسدد ، ومابين تأييد هذا وتسديد ذاك تدور رحى الطغيان فتطحن بلا هوادة أي أمل في التغيير والخلاص ، فمشايخ قبائلنا إنقلبوا على كل قيمة وأداروا ظهورهم للقبيلة ، فهم قد خلعوا عباءات أسلافهم وقلموا أظافرهم وهذبوا من لحاهم وهجروا خيامهم وباتوا أقل شرفاً وأضعف نخوة ، بل أن مشايخ قبائلنا باتوا حماة لأعراضاً غير أعراضنا ، ولم تعد بطون القبيلة وأفخاذها من أولوياتهم ، وغدا البيت الأبيض محل طوافهم ، ولم تعد أي من ليلانا ملهمة لأشعارهم ، وتعاقبوا فينا كما الليل والنهار، ويبدو أن الأمر مرشح للتعاقب أحقاباً تلوها أحقاب ، فإذا مات منهم شيخ قام ولي إثمه أو من هو من عصبته وعصابته مطالباً بلواء القبيلة وسيف القبيلة وقطيع القبيلة ونساء القبيلة ، وهاهم المتملقين وألسنته التي تنطق بالزور على باب خيمته ينتظرون عطاياه المحرمة مقابل ألقاب يخلعونها عليه ، فالباب أرباب القصائد العصماء وأصحاب المقالات الكاذبة حيث سيُكتب التاريخ برؤية جديدة وبرائحة جديدة وبلون جديد ، فبشيخنا سيبدأ التاريخ ولعله به ينتهي ، ومن فيه ستقطر بل ستنساب ينابيع الحكمة حيث لا حكمة ، وسينظر نظر اللا عبرة واللا فكرة بينما فتيان القبيلة وشبابها وأصحاب الرشد فيها ينطمرون جيلاً بعد جيل والشيخ العبوث مازال يدير مسبحته حبة بعد حبة مسبحاً لشيطانه وساجداً لأوثانه ولا ينسى لدى إنفلات روحه أن يوصي بالقبيلة شر أنجاله أو أقرانه ... وما زالت العجلة تدور وتدور وتدور.. وللحديث بقية بل ألف بقية

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة