2007/02/18

سحرة فرعون


لا يولد الفساد عبثاً ولا مصادفة ، ولا ينشأ الإستبداد دونما تربة خصبة وأجواء مواتية إنما الحصاد دائماً وأبداً نتاج البذرة ، فكيفما بذرت ستحصد ، فهذه سنة مشاهدة وطريقة مجربة عبر العصور ، وزراع البذور ومتعهدو النبتة بالرعاية متنوعون بتنوع الغراث والتربة والأجواء ، فلا يولد أحدنا فجأة هكذا فاسداً مستبداً من عدم وأنا لا أصدق أنه توجد إستعدادت فطرية للشر لدي بني البشر إنما هناك دائماً من الأدوات ما يعين على التربية التي تكفل فساد النشأة وخبث الطوية ، وإنك إن تلمست سير العتاة والجبارين في الأرض لوجدت أصنافاً وألواناً من الصناع المهرة لأدوات ظلمهم وغيهم وطغيانهم ، وإذا يممت وجهك صوب ألوف من السنين قد خلت لوجدت ذات السيرة ونفس المشهد وإذا تحولت بوجهك شطر العصور اللاحقة وحتى الآن لوجدت ذات السيرة ونفس المشهد كذلك .

فمثلاً سحرة فرعون - قبل توبتهم - كانوا واجهة أساسية لنظامه وأداة لبطشه وإرهابه وورقته التي يخبئها لأوقاته العصيبة وملماته العظيمة فيذودون عنه ويدفعون عنه التهم وإن لهم لأجراً وإنهم لمن المقربين يعادون من عادى ويهادنون من هادن ، وهكذا هي سيرة الطغيان في كل آن ، أما فراعين زماننا وما أكثرهم فقد إستوعبوا عن جهل درس الفرعون الأكبر فملئوا بلاط قصورهم بهاماناتهم وسحرتهم وأولياء ظلمهم القوامين على الكذب المنتصبين للدفاع عن الباطل حتى ليخيل للمرء منا أنه لحق وأبلغ من حقيقة الشمس في رابعة النهار .

وسحرة هذا الزمان لم يتبدلوا إلا بتبدل الهيئة والمكان والزمان فحبالهم التي تسعى غابت عن المشهد ولم يعد لها وجود ، ولربما أدركوا أنها باتت وسيلة بدائية لم تعد تناسب الكذب الجديد والنفاق المستحدث فإستبدلوها بأقلام وقراطيس هي أشد وطئاً وأفسد قيلا ، وسحرة زماننا هم المنافحون عن كل ظلم والمستميتون في الدفاع عن كل جريرة ، والمبررون لكل جريمة ، والمعالجون لبشرة النظم الكالحة بمساحيق مصطنعة تخفي ولو إلى حين تجاعيده المرة وترهل جسده وشيب عوارضه وإنحناء قامته .

وبات السحرة من كل شكل ولون فمنهم شعراء النظام النواجب وأصحاب قوافيه الكواذب ومتعهدو غسيل الأدمغة ، وهنالك القائمون على أمن وسلامة وتوطيد أعمدة النظام وهم قبضته وعصاه الغليظة التي يلوح بها حيناً ويضرب بها أحايين كثيرة ، وهناك المشرعون للقوانين سيئة السمعة خاملة الذكر ، وهناك وجهاء القوم من المنتفعين المتنفذين أرباب المصالح الخاصة والمشبوهة وأكلة السحت وأموال الناس بالباطل ، ويمتلأ البلاط بأمثال هؤلاء وأولئك وغيرهم من أئمة الإفك والبهتان ، الذين ندعوا أن يتوبوا ويثوبوا إلى رشدهم كما فعل سحرة فرعون

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة