2015/05/01

كشف عذرية !


نتيجة بحث الصور عن الدولار

إلى من يهمه الأمر
من النشطاء والحقوقيين

بقلم : ياسر حجاج
يبدو لي أنه من البديهي تماماً أن تُحددوا خياراتكم في الحياة ، فتكون رجالاً أو لا رجال ، فحالة (البين بين) أمر غريب فطرياً ومستهجن تماماً إجتماعياً ، ما لم يكن الأمر بالطبع راجعاً في جزء منه إلى إعتبارات خِلقية (بكسر الخاء) .
إلا أنه من الجلي تماماً الآن وفي ظل إعتبارات خِلقية طبيعية يريد البعض منكم أن يعيش أو يعايش (طور الميوعة) على كبر ، والحقيقة أنه لا مشكلة شخصية لدي في أن يكون بعضكم (مائعاً) أو حتى (متهتكاً) ، بشرط أن تباشروا ميوعتكم أو تهتككم أو كليهما من وراء حجاب ، أو خلف أبواب مؤصدة ، أما أن تخرجوا بها علينا ، وتجعلون منها عملاً أخلاقياً ، أو حتى مسلكاً موضوعياً أو حقوقياً ، فذلك لعمري عين العبث .

أيها الراقصون مع الذئاب والذباب ، فوق جسد الوطن المنهك
أما آن لكم أن تكونوا رجالاً ، فتقدمـوا لأمتكم كشف عـــــذرية

*****
هاكم صفحة من دفتر يوميات
ناشط حقوقي ، كمـا تخيلتــها
المكان : السفارة البريطانية
القــاهرة - جاردن سيتـــــي
الزمان : صيف 2013

في حُلة إستثنائية في أناقتها ، دخلت بثقة إلى حيث مكتب سكرتيرة الملحق الإعلأمي بالسفارة ، بناء على موعد سابق ، سبقني إليها عطري الكلاسيكي الفواح ، قدمت كارت التعارف لها ، وخاطبتها بلغة ودودة :
- هناك موعد مع سعادة الملحق السيد / جيري بن .
وبلغة دمثة لا تخلو من برود إنجليزي معتاد :
- سيدي ، هل تفضلت بالجلوس ؟
أومأت إليها موافقاً دون أن أنبس بكلمة ، ثم عادت فأردفت :
- سأوافيك بعد قليل ، فسعادة الملحق مازال في إجتماع ، فقد أتيت مبكراً قبل موعدك بربع ساعة ، غير أنني لم أعقب ، فالصمت دائماً ملاذاً محبباً لي ، لاسيما إن أردت أن أبدو على هيئة أو شاكلة جادة .

تلبست - إلى حين - حالة الوقار التي تتناسب مع هكذا مكان عتيق ، تفوح منه رائحة التاريخ ، وعبق الماضي الإستعماري القديم ، وعلى الحائط المقابل لي تماماً ، وفي الجزء الذي يعلو مقعد السكرتيرة ، كانت هناك أيقونات إنجليزية حقيقية ، صور لقادة ومفكرين ، فلاسفة وأدباء ، رياضيين وسينمائيين ، حتى شعار البي بي سي كان هناك ، وكأني به ينبه والجالس والمار ، وبصوت مسموع حد الصراخ (هنا لندن - هيئة الإذاعة البريطانية) ، فالإنجليز لا يفوتون هكذا فرص .
وبينما أتجول بناظريِّ أخذتني الدهشة حقاً من هذا الطراز المكتبي الفريد ، وكأنه أتى للتو من حقبة فيكتورية تليدة ، وقلت في نفسي ، هاهم الإنجليز يذكرونك في كل مناسبة ، وأينما حلوا ، أنهم أبناء إمبراطورية مجيدة ، حتى وإن توارت شمسها الآن خلف ضباب بلادهم الكثيف ، ثم إلتفتُ عن يساري لأرى لوحة كبيرة الحجم لملكة بريطانيا العظمى ، وقد أحاطت بها إضاءة خافتة لا تكاد تظهر منها سوى عينين مملؤتين بالود الممزوج بالشموخ ، حدقت في اللوحة لبعض الوقت بشكل حتى أثار إستغرابي ، وحدثتها بلسان القارئ المجد لتاريخهم ( أهي أنت إذن ؟) ، لم انتظر طويلاً حتى جاءتني الإجابة على لسان مفعم بغرور وأبهة القصور الملكية ( نعم إنها أنا ، ألديك شك ؟) .

 هدأت من روع الهيبة التي تملكتني وقتها ، ورأيت أن الأمر بحاجة إلى معالجة ناجزة ، وبخفة مصطنعة كانت جديرة بالتسجيل حقاً ، قمت وإنحنيت أمام جلالتها مؤدياً لها التحية كأحسن ما يُـنتظر من جنتلمان حقيقي ، أو دوق نبيل ، حتى وإن كان ذو خلفية ريفية مصرية .
وددت وقتها أن لو لمحني أحد ، فأنال إستحسانه ، أو أدخل دائرة إهتمامه ، لكن للأسف لم يكن هناك من أحد يرقبني ، ولكني عولت - ومن باب الدفعة المعنوية لذاتي - على أن كاميرات المراقبة لابد وأنها قد سجلت ذلك ، الأمر الذي قد يكون محل نظر ذوي الشأن بالسفارة ، ولعلهم يحاولون التعرف عن كثب عن ذاك الذى أدى التحية لمليكتهم حتى وإن لم يره أحد  .

مرت دقائق حتى أتى صوت ذكوري باسم من نهاية الممر المفضي لمكتب الملحق الإعلامي بالسفارة :
- مستر / محمود .. اهلا بك ، تفضل .. تفضل .
قمت من جلستي ، وسرت بتؤدة وإستقامة في الممر الفسيح ، ومختالاً كأي إمبراطور متقاعد ، لم ينس بعد قواعد البروتوكول ، وثقافة المراسم والتشريفات ، ومددت يدي لصديقى / جيري بن ، وحرصت على وجود مسافة كافية بيني وبينه أثناء مصافحتي إياه ، إلى الحد الذي لامست به بالكاد أطراف أصابعه ، فلا شئ أحب لمثلي من اللفتات المعبرة ، والزوايا الصغيرة التي لا يلمحها غالباً أحد ، وهذا أمر ساحتاجه بشدة في قادم الأيام .

بادرني الملحق الإعلامي بعد المجاملات المعتادة :-
- مستر محمود .. أعلم أنك لا تشرب الكحوليات في الصباح ، فماذا أقدم لك ؟
دون أنظر إليه ، طلبت فنجان من القهوة التركية ، ثم قدمت له مظروف مغلق ، ومع إبتسامة باهتة لا تخلو من تحد غير مبرر :
-عزيزي جيري ، هذا هو إذن التقرير الذي وعدتك به ، به رصد وقراءة للصحافة المصرية ، الحكومية والخاصة ، وبعض من إنطباعاتي عن ردود الأفعال المجتمعية إزاء ما يُسمى بثورة 30 يونيه ، يا إلهي لقد نال مني التعب مناله حتى أنتهيت من كتابة هذا التقرير في الوقت المتفق عليه .
تلقف صديقي التقرير بإهتمام ، وبدأ بمطالعة بعض عناوينه الرئيسية ، ثم ألتفت إلي وقد خلع نظارته :-
-هذا مجهود مُقدر ، ولعل أصدقائنا في لندن سيرون فيه ما يستحق المتابعة والتحليل ، ولا أريد أن أذكرك عزيزي محمود ، أننا مازلنا ننتظر تقريراً منفصلاً عن القيادات الصحفية الجديدة التي تستعد لتبوأ رئاسة تحرير الصحف الحكومية خلال الفترة المقبلة ، فهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا ، فلا نريد للأمريكان ان يسبقونا في هذا المضمار أيضاً .
-لا عليك ، تقريري شبه جاهز ، فقط أردت الإحاطة ببعض التفاصيل المحيطة بالأسماء المقترحة ، لعلنا نقع على أمر ذو بعد ملفت لأحدهم ، فنعمل عليه بكل قوانا .

وبإبتسامة موحية سألني بن :
-ماذا لديك اليوم .
- فقط سأمر على نقابة الصحفيين عصراً للمشاركة في وقفة تضامنية مع أحد نشطاءنا الذي جرى إحتجازه مؤخراً ، في المساء سأمر على نادي الليونز لإلقاء محاضرة عن الحقوق والحريات في ظل عسكرة النظام المهيمن على المشهد الآن ، وبعدها سانتقل كالمعتاد إلى منزل صديقتنا المشتركة لنبدأ جولة جديدة من جولات السمر .
-ممتاز .. ستجدني قد سبقتك إلى هناك مع مشروبك الإنجليزي المعتق ، وأرجوا قبل المغادرة ان تمر على سكرتيرة مكتبي ، هناك مظروف بأتعابك عن هذا الشهر ، مع خالص تحيات حكومة جلالة ملكة بريطانيا ، قمت من جلستي منحنياً كالعادة :
- فلتحياً جلالتها ، ولتحيا حكومتها العظمى .

لم أنتظر حتى أدلف إلى سيارتي ، بل قمت بفتح المظروف مباشرة لأقف على مقدار التقدير لمجهوداتي ، وما أن إنتهيت من العد ، حتى  أخذت نفساً عميقاً ، وقلت في نفسي ، يا لبخل الإنجليز ، إن الأمريكان يدفعون أكثر ، وعلى عجل قمت بإجراء مكالمة من هاتفي المحمول إلى سكرتيرتي :
صباح الخير عزيزتي شيماء ، أرجوا إرسال تقريري عن رؤساء تحرير الصحف المصرية إلى البريد الإلكتروني الخاص بالملحق الإعلامي بالسفارة الأمريكية ، وحددي لي موعداً معه .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة