2015/05/28

حفلة 6 !


بقلم : ياسر حجاج

- سألنى أحدهم عندما بلغت الخمـــسينً .. كم عمرك ؟
- مبتسماً وبغير تردد .. خمس وعشرون سنة عشتها
، غير أني لم أحيا سوى خمس وعشـــــرون أخرى !

من الأمور التي كنت حريصاً على تحديدها بشكل جاد منذ وقت مبكر نوعاً ما ، هو التفرقة ما بين العيش والحياة ، إذ يختلط الأمر على بعضنا أحياناً ، فيما يخص هذين المفهومين ، حيث يجري تناولهما بحسبانهما شيئاً واحداً تقريباً ، أو مترادفين لمعنىً واحد ، ذلك أن عيشك ، هو جدك وسعيك وكسبك لنفسك ومن تعول ، أما حياتك فهي نفسك وروحك ومرحك ، وتفريعاً على ما تقدم ، نقوم بتقسيم اليوم إلى قسمين متساويين ، نصف الأول للعيش ، ونصفه الآخر للحياة ، والتفرقة التي أعنيها ليست بالتأكيد تلك القسمة الجامدة ما بين توقيتين في يوم واحد ، وإنما هي قسمة ما بين الجد والمرح ،  الحياة عندي بالمناسبة ، تبدأ في السادسة مساءاً حتى مطلع الفجر ... يا مساء الأنوار ! .

ما المساء إذن ؟
أحد الأضياف خفيفي الظل ، السامر الذي يقرع أبوابنا ، كلما رأى الشمس تلملم وهجها إلى ما وراء الأفق ، أنيس أنيق ينضم لجوقة رفقتنا النبيلة .. كتبنا ، قصاصاتنا ، قهوتنا ، وحتى سجائرنا ، فالمساء يعطينا أكثر من مجرد إشارة إلى هبوط الليل ، فهو ينبهنا أن أشباح النهار قد توارت ، وأن أطيافه هو على وشك أن تُسفر عن وجهها بكل دلال ، وعلينا بالتالي الإستعداد لأن نكون صحبة السكون العاصف ، الذي يُؤذن ببدء المغامرات الخطرة ، حيث تستأذن الأمطار الموسمية ببدء الهطول .

لذاكرة المساء .. إثارة لا تُقاوم ، وشهوة لا تصل بك أو معك إلى حد الإشباع أبداً ، دائماً ما تجعلك تلهث وراءها للإستزادة ، فتعطيك طرف من خيط ، أو شعاع دقيق متسرب من خلال نافذة مشروخة ، فقط لتذكرك أنها كانت هناك ، شاهدة يوماً ما ، على الألق والأرق ، على المناديل المعطرة المهداة ، وتلك الجوارب الناعمة التي تجاوزت حدود الساق بكثير ، على الإبتسامات ، ونوبات السهارى تحت أعمدة الإنارة .


إن فاتك الأول .. فالمساء .. ضمير ثان .




ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة