2015/05/05

يوم مر آخر !


بقلم : ياسر حجاج
في اليوم العالمي للسمنة ، ترتفع معدلات الإصابة بالسكر وأمراض ضغط الدم ، وفي اليوم العالمي للمرآة ، تزداد نسب التحرش بالسيدات والفتيات ، وفي اليوم العالمي لمكافحة التدخين ، أقوم بإخراج لساني لمنظمة الصحة العالمية ، فلما عليًّ الآن أن أصدق أن اليوم العالمي لحرية الصحافة له أدني علاقة بالحرية أو الصحافة ؟ .

نعم .. فقد إحتفل العالم أول من أمس الموافق الثالث من مايو (بيوم مُر آخر) يسمونه اليوم العالمي لحرية الصحافة ، وهو تقليد ممل كحال الكثير من المناسبات العالمية ، وغيرها من الأيام ، والتي لسان حالها في أفضل الأحوال ليس سوى ( جئت لا أعلم من أين ، ولكني أتيت ، ولقد ابصرت طريقاً قدامي فمشيت ) .

ولأن هذه الإحتفالات ومثيلاتها ، يغلُب عليها الطابع الكرنفالي ، وإلتقاط صور السيلفي مع السيدات ذوات (التنانير) القصيرة ، فإنها في الغالب لا تخرج بشئ ذي بال ، إنما توصيات بائسة ، ومناشدات بلا مضمون تقريباً ، ناهيك عن بعض ورش العمل ، التي يجري خلالها تبادل أرقام الهواتف ، وعناوين البريد الإلكتروني للمشاركين بها ، مع وعد بالمتابعة والتنسيق ، إنما على صفحات تويتر والفيس بوك وإنستجرام ! .

في الواقع إنني لا أعلم تحديداً ، ما المقصود بحرية الصحافة ، ولا ماهية الخطوة التالية التي يُراد للعاملين في هذا الحقل أن يصلوا إليها بخلاف ما هو حادث الآن ، فالمتابع للصحافة المكتوبة والتليفزيونية والإلكترونية في المحروسة مثلاً ، يرى أن أفرادها بالمجمل قد بلغوا شأناً بعيداً على طريق حرية التعبير ، والذي جاوز في كثير من الأحيان حد الوقاحة ، ولا أعلم تحديداً لماذا يريد أحدهم أن يكون وقحاً أكثر ؟ .

إن القدر المتيقن منه في إطار حرية الصحافة ببلادنا ، يبدو لي أنه متاح بقدر زائد وفائض عن الحاجة أحياناً ، فحرية إصدار الصحف أسهل من شراء علبة سجائر ، والصحفيون يعملون بكامل حريتهم في الصحف ، وكذا وسائل الإعلام ( كمعدين ، ومقدمي برامج ، وأصحاب مداخلات ثقيلة الظل ) ، ويتنقلون بكل سلاسة وراحة ضمير من مدرسة صحفية إلى أخرى مغايرة ، ومن قناة فضائية إلى أخرى منافسة ، دون أن يطرف لهم جفن ، ودون أن يُعيروا أي إهتمام بعلامات التعجب والتساؤل المرسومة على محيا المشاهدين والمتابعين .

الصحافة جزء أصيل وكبير ضمن خارطة فساد الأوطان ، وبالتالي فإن محاولتنا البحث عن صحفيين شرفاء ، يحترمون أسنة أقلامهم ، لهم من الضمائر الحية والحقيقية ، ما يجعلك تثق في أراءهم ، وتقدر إجتهاداتهم ، هو أمر شاق للغاية ، شأنه في ذلك شأن من أراد أن يبحث عن عملة معدنية مفقودة في صحراء الربع الخالي ، ومع ذلك فإن هذا الصنف العف على قلته - ورغم كل شئ - موجود أيضاً ، وسيظل موجوداً ، ليكون شاهداً - ربما - على أن كثيراً من أهل البيت ، فضلوا الإعتصام بجبل يعصمهم من الماء ، بدلاً من الإلتجاء إلى سفينة النجاة .

إن نظرة عابرة على تجاذبات المعركة الإنتخابية التي جرت مؤخراً لإنتخاب نقيب جديد للصحفيين المصريين ، ستُظهر لك بجلاء ، مدى سطحية هؤلاء الذين يُراد لك أن تصدق أنهم فرسان الكلمة ، الأمناء على وعي الأمة ، قوى المجتمع الناعمة ، أما أولئك النفر من الصحفيين الحقيقيين ، فمغيبون عن المشهد ، كرهاً أو طوعاً ، فتوارى ألقهم وذكرهم ، إلا من خبر جانبي عارض ينعى رحيلهم ، ولربما معاناة أحدهم المرضية .

لا أعلم إن كان بوسع أحد أن يتبنى فكرة أن يكون هناك يوماً عالمياً موازياً لليوم العالمي لحرية الصحافة ، ويا حبذا لو أسموه (اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا الصحفيين) ، بالنظر إلى الشكاوى المتزايدة لبعض من قراء الصحف ، ومتابعي المواقع والبرامج الإخبارية والتحليلية ، من زيادة نسبة إصابتهم بالكولسترول ، مع إنخفاض ملحوظ لنسبة التستوستيرون في أجسامهم .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة