2007/04/18

3- شيعة وسنة ... لماذا ؟

المنابع

كان بابي الخلفي الذي ولجت من خلاله إلى عالم الثقافة الشيعية هو الشيعة أنفسهم وليس مكتباتهم ، يممت وجهي شطر زملائي بالعمل وإذ بي أكتشف - أو هكذا بد لي - أن كثير منهم كانوا من الشيعة ولكن المشكلة كمنت في أن كلهم تقريباً كن من الفتيات .. إذن الأمر يزداد صعوبة .. ورحت أتفحصهن واحدة تلو الأخرى ، وتساءلت : من تراها تكون المرشحة لتكون دليلي إلى هذه الثقافة ؟ كانت هناك فتاة حديثة التعيين تعمل معي كباحثة قانونية بذات القسم الذي أعمل به ، وكانت علاقتنا لا تزيد عن حدود البرتوكول الإجتماعي المعتاد ، كانت قصيرة القامة بعض الشيء ، نحيلة ، متدينة ذات حجاب ، مهذبة ، ولكن متحفظة إلى أقصى الحدود ، كما كانت عيناها تشع بالذكاء إلى الحد الذي رأيته كافياً لإنجاز المهمة ، ولكن كان الأمر بالغ الصعوبة ، فكيف لي أن أفاتحها هكذا وبلا مقدمات في موضوع الشيعة ومنابعهم الثقافية ؟ بدا لي الأمر أشبه بمغامرة شراعية في بحر لا أعرف موعد مده ولا جزره ، فوقفت على الشاطىء متهيباً .. أتقدم خطوة وأتأخر إثنتين

شراكة عمل


أخيراً .. أتي اليوم الذي ُعهد إليً فيه القيام بإجراء تحقيق موسع في مخالفات إدارية مع إحداهن من العاملات بالوزارة ، ورأت مديرة إدارتنا أن ُتكلف من يساعدني في إجراء التحقيق من الزميلات لكي يكتسبن الخبرة ، وكانت زميلتنا هذه هي من وقع عليها الإختيار ..يا لها من فرصة .. بدأت معها جلسات تمهيدية نتفق فيها على خطة إجراء التحقيق والسبيل الأفضل لإنتهاجه ، كانت لم تزل متحفظة ، ولا تنظر إلى بشكل مباشر أبداً ، وبدت وكأنها لم تكن مسرورة لمشاركتي في إجراء هذا التحقيق الأمر الذي شكل لي عامل إستفزاز ، فأردت أن أرد على الإستفزاز بمثله ، وأنا في الحقيقة ماهر في هذا الأمر ، بعد عدة أيام قدمت لي مسودة مذكرة قانونية للشق الذي ُعهد إليها إنجازه للتعليق عليها وإبداء أية ملاحظات تتراءى لي قبل إعتمادها بصورة نهائية .. وتعمدت أن أظهر تبسمي بشكل ساخر كلما مررت على فقرة من مذكرتها التي كانت محررة بخط يدها بشكل إنسيابي رائع ومقروء بوضوح وبلون أزرق لامع وكأن صاحبتنا كانت ترسم بالكلمات ، ( تبين فيما بعد أنها فنانة ذات ريشة ماهرة ) ،لاحظت أن عينيها كانتا مثبتتين إلى الأسفل ، فأردت أن ألفت إنتباهها لتشاركني عملية المراجعة والتدقيق ، فأمسكت بقلمي الأحمر وهممت بالتصحيح والتعقيب كما المدرس الذي ُيلفت عناية طالبته إلى ما يجب أن تقوم به على نحو سليم وكيف لها أن تستفيد ممن يكبرها سناً وخبرة .. كان هذا خياري الوحيد .. هالها وفاجئها كم الملاحظات التي أبديتها لها ، لغوية كانت أو قانونية ، وفي النهاية أعطيتها المسودة التي كانت أشبه بلوحة سريالية من كثرة تداخل اللونين الأحمر والأزرق ، وراقبت ردة فعلها ، فإذا بإحمرار قلمي قد إنتقل بشكل أكثر حدة وإمتقاعاً إلى وجهها ، وأحسست أنها شعرت بالمرارة والإهانة من مسلكي الذي كان مبالغاً فيه بكل صراحة ، ولكنها في النهاية لن تنبس ببنت شفة ، أشفقت عليها ، لكن كما قلت لم يكن لدي خيار آخر ، في اليوم التلي أتت بمذكرتها بعد أن قامت بالتصويبات والتنقيحات المفترضة التي لفت نظرها إليها ، أعطتها لي لمراجعتها بشكل نهائي ولكن هذه المرة مع إبتسامة خجلة وقالت : لا مزيد من التعليقات الحمراء هذه المرة أرجوك ، إذن أصبح للجدار العالي باباً للولوج منه الآن

حلقة نقاش

ومرت الأيام والتحقيق لم ينته بعد ، وإزدادت وتيرة النقاش العام خارج الموضوع المكلفين بإنجازه ، وفجأة دار الحديث حول تفسير بعض من آيات القرآن الكريم وأعطتني تفسيراً مخالفاً لما أعرفه عن آية بعينها ، رويداً رويداً أصبحنا لا نتحدث إلا عن المذهب الشيعي من حيث أصول نشأته الفكرية ورجاله وفقهه ، وأعترف أنها كانت مجادلة ماهرة ، إلا أنني أذكر كذلك أني لم أسترح لبعض إجاباتها ، وبدأت أطرح من خلال قراءاتي الأولية نقاشاً حول القضايا الخلافية بين الفريقين ، فأشارت عليً أن بوسعها تدبير لقاء لي مع أحد معارفهم ممن له تبحر وفهم في هذه الأمور العميقة .. فلربما خشيت صاحبتنا أن تقول ما يُحسب عليها ، هكذا فسرت الأمر ... وبالفعل قابلت هذا الشاب حيث تواعدنا بإحدى المكتبات التي تتيح لقراءها الإطلاع على ما يشاء من كتب داخلها ، إخترنا طاولة للجلوس ، أخذ صاحبنا المقعد المقابل لي مباشرة وبدت وضعية جلوسنا كما لو كنا على وشك البدء في مناظرة ، كان نحيلاً هو الآخر ذو لحية مهندمة بعناية ، ووجه غلبت ُحمرته بياضه ، دمث الأخلاق مهذباً إلى أبعد صورة ، ولم أذكر حتى تاريخ مقابلته أني قابلت شخصاً له من الخصال الحميدة ما لهذا الشخص ، وبعد المقدمات والتعارف سألني : أيوه يا بو محمد .. ماذا تريد أن تعرف ولماذا ؟ أجبته أني ليس لدي الكثير من المعرفة عن الثقافة الشيعة وسأكون ممتناً لو ساعدتني في هذا الأمر أو على الأقل إرشادي إلى ما يجب أن أتبعه من واقع خبرتك ، قال لي أن بوسعه تدبير بعض الكتب والمراجع المناسبة ، قاطعته بالقول أن الكتب متاحة في أي وقت ، وأنا ما أريد سوى النقاش ، أجابني مبتسماً : هذا صحيح الكتب متاحة في أي وقت ولكن النقاش بدون خلفية واسعة من الإطلاع الجيد لن يكون مثمراً ، أصابتني ملاحظته بشكل مباشر ، ويبدو أنه أدرك عمق الإصابة على قسمات وجهي ، فإلتفت بذكاء وقال لي :لا بأس بو محمد .. ما لم تكن تفضل النقاش حول ما تريده وفق مراجعكم أنتم أهل السنة .. إذن فالرجل مطلع واسع الإطلاع .. وبتسرع لا أتورط فيه عادة قلت له : فليكن ، وبدأ الرجل يُحلل وينظر وينتقل من مرجع إلى مرجع ومن قضية إلى أخرى ، وكل ذلك وفق مصادرنا نحن أهل السنة لا مصادر غيرهم ، وبدا لي الرجل كما لو كان ممسكاً بأطراف كل الخيوط ، يحركها كيف يشاء وقتما يشاء ، وعندها فقط أدركت أني قد ورطت نفسي بطلب النقاش ، حاولت بصعوبة إدارة دفة الأمور بطريقة لا أبدو من خلالها كما لو كنت في مناظرة ، لأني على الأقل أعرف من هو الطرف الخاسر فيها .. إتفقنا على موعد جديد وقبل الإنصراف لفت نظري إلى ملاحظة مباغتة فقال لي : بالمناسبة يا بو محمد فإن زميلتك الباحثة القانونية التي رتبت موعدنا سيدة ، قاطعته متعجباً : سيدة !؟ أعلم أنها غير متزوجة ، تبسم .. وقال أنها سيدة بالمفهوم الشيعي يا عزيزي ، إذ أن نسبها يمتد إلى العترة الطاهرة ، فجدتها الكبري حسب سلسلة النسب الشريفة هي البتول فاطمة الزهراء ، أسقط في يدي وتحير جوابي ، فإنصرفت متمتماً ... إن هذا ليوم عصيب

يُتبع

هناك 4 تعليقات:

radiantguy.com يقول...

بالعادة انا احاول اني اتجنب الحديث في هالمواضيع بالعمل خصوصاً انها ممكن تثير الحساسية عند بعض الناس...يعني مو كل الناس تفكر نفس البنت اللي انت كلمتها او مو كل الناس تفكر نفس ما انت تتكلم...في ناس كل همها الجدال و بدون ما يكون مخه متفتح لسماع الطرف الثاني لو اختلف معاه بالراي.

البنات حسنات يقول...

RADIANT GUY / العزيز
أتفق معك تماماً فيما ذهبت إليه ، ولكن ربما جدية الهدف ، وتفهم الطرف الآخر كانا لهما ابلغ الأثر للنتيجة التي إنتهيت إليها ، لاسيما إن كان الموضوع يمضي في إطار من الود والإحترام والإبتعاد عن مواطن الإثارة ما أمكن ، وهو ما سيتبين لاحقاً في التدوينات المقبلة ، سعدت بمرورك الكريم ، وأرجوا أن تتقبل خالص التحية والإحترام

غير معرف يقول...

انا اعيش في البحرين ومن المعروف في البحرين ان هناك الكثير من المدرسين في المدراس واتذكر انني كنت افرح كثيرا عندما يدور نقاش بين الطلاب وبين المدرس المصري فالحديث يبدأ على انه حديث في السياسة ولكن سرعان ماينتقل الى المذاهب ( سني _شيعي) وذالك لان البحرين ذات غالبية شيعية والمعارضة هي ايضا شيعية والحكومة هي سنية وان كانت لا تمثل السنة , انا من خلال حديث مع الاستاذ لم اكن اريد للاستاذ ان يتشيع فقط كنت اريد ان اقول للاستاذ نحن لسنا عملاء لايران ولكن نحن نريد ان نعيش بكرامة وبحرية والمعارضة هي معارضة من مظلوم لظالم وليس للمذهب اي دخل في الموضوع اذ ان الشيعي المعرض دائما يوصم بأنه عميل لإيران. على العموم ليس هذه هو الموضوع ولكن ما ارتد ان اقوله ان المصريين معروفين في البحرين انهم منفتحين وغير متشددين في مايخص المذهب وهذا شي يحبب ويقرب . اسمتعت وانا اقرا هذه السلة وان شاء الله اتابع البقية

تحياتي

البنات حسنات يقول...

أخي / صوت الضمير
تحبة لك وللبحرين الشقيقة .. بداية أود أن أشكر لك إهتمامك بمتابعة سلسلة هذه التدوينات ، فهي كانت من وحي تجربة شخصية بي ، لذا فهي تتحلى بالمصداقية والموضوعية ، أو هكذا أعتبرها ، أما فيما يخص مضمون مداخلتك فإن دورها في السلسة آتي لا محالة ، فترقب المزيد ، وتقبل خالص التحية والمودة

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة