2007/04/11

مدون أحادي الجانب

رغم أن التدوين الإلكتروني بصيغته الراهنة يعد إلى حد كبير نسخة مطورة للمذكرات الشخصية التي يعتاد البعض على كتابتها بشكل منتظم لاسيما إذا ألمت بهم ملمة أو وقعت لهم من الأحداث أو حتى الطرائف ما يستأهل تدوينها للذكرى والإعتبار ، وحيث أنني من المهوسين بنظرية مفادها أن كل جديد حتماً لا يأتي إلا على حساب قيمة ما فإني أعتقد لهذا السبب أن شكل المذكرات الشخصية بصيغتها الورقية - إن صح التعبير- سيبقى أكثر وهجاً ومتعة لاسيما لصنف الكلاسيكيين من أصحاب المذكرات والرؤى ، ولعل من بدأ منهم تجربة التدوين الإلكتروني كالعبد لله قد شعر ببعض الغربة لإختلاف آليات التدوين بل ومضمونه .

فنحن في مذكراتنا الشخصية بصيغتها التقليدية كنا نكتب ونعلم بأن لا أحداً ما - على الأقل في حياتنا - سيقرأ أي من هذه المذكرات ، وأننا بالضرورة القراء الوحيدون لما نخط ، وكم تكون متعتنا إذا إنقضت سنون ثم نعاود قراءة ما خططناه بأيدينا مرة بعد مرة حيث نستلهم عندئذ مواضع العبرة لما كان ولما هو كائن الآن ، وبهذه المثابة تكون المذكرات التقليدية أكثر صدقاً وأعمق من حيث عفويتها وتلقائيتها ، أما التدوين الإلكتروني فهناك العديد من المحاذير الذاتية وإعتبارات الملائمة الموضوعية واللفظية ما يجعل المرء فينا يفكر ملياً قبل طرح موضوع ما على مدونته ، أو البوح برأى معين في قضية ما ، ولعل الأمر يعود في سبب منه إلى إعتبارات كوننا منتمون إلى هذه البقعة من الكون حيث الشرق بعاداته وتقاليده الذي عودنا الكتمان بدلاً من البوح ، وعودنا الدمع بدلاً من البكاء ، وعودنا أن يكون صراخنا داخلياً لا أن يكون على ملء من قراء المدونين ، وغيرهم من المتطفلين الذين يراقبون دلالات الحروف ومرامي المعاني والكلمات ويتصيدون لك ما لم يكن في حسبانك فإذا بك في النهاية متهم بما لم تفعل وموضع الشبهة بما لم تقترف يداك ، أما مدوناتنا الورقية فهي حبيسة أدراجنا .. أمينة على أسرارنا .. متفاعلة مع الصادق والكامن من مشاعرنا .. شاهدة بذاتها - وليس أحد سواها - على إحباطاتنا ونجاحاتنا

كما أن من بين فوارق التدوين الورقي والإلكتروني أمراً لا يخلو من طرافة كان محل تجربة ذاتية بي ، فأنا من أصحاب الخطوط الجيدة ويقال عنها أنها منمقة ولطيفة ، كان هذا في الوقت الذي كنت أستخدم فيه قلمي وقرطاسي طوال الوقت ، فلما إقتحم الحاسوب حياتنا وإستبدلنا بأقلامنا أزرار الكيبورد الصماء بدأ حس الكتابة باليد يخبو أو كاد وبدت الأقلام في أيدينا مرتعشة وجلة من عمق الجفوة التي لحقت بها وإن شئت فقل الصدأ الذي إعترى أناملنا جراء عدم إستخدام أقلامنا زمناً طويلاً ، وهذا سبباً إضافياً يجعلني أؤمن بالنظرية سالفة الذكر والأمثلة على ذلك كثيرة ، وعليه فإني مازلت منحازاً للتدوين الكلاسيكي بأسنان أقلامي المدببة والملونة على أوراقي التي ستظل وفية لي رغم صفرتها وذبولها وعلى الرغم كذلك من وجود عديد المدونات الإلكترونية الرائعة على سماء النت الملبدة بكل طعم ولون أرى كثيره غير مستساغاً ولا مهضوماً

هناك 4 تعليقات:

layal يقول...

اكثر ما يجعلني افكر في ما اكتب كثير هو الرقيب الذاتي
من حيث استحقاق الماده للنشر وفائدتها
ومع ذلك احاول التنويع لكي لا اجعلها جامده
الورق هو الحبيب الاولي :-)

البنات حسنات يقول...

الورق هو الحبيب الأول .. يالها من عبارة ، صدقتي ، وما الحب إلا للحبيب الأول .. سعدت وتشرفت بمرورك الكريم

سراج يقول...

لو تعلم كم مرة قرأت مدونتك ، أتصور أنني أردت أن أملها، فهذا ديدني الملل من التكرار إلا مدونتكم، بقيت صامدة بوجه الملل... بالمناسبة شهر رمضان دخل في ثلثه الثاني.. أسئل الله لكم دوام التوفيق وتقبل الله صيامكم وقيامكم

البنات حسنات يقول...

شرفنا بمرورك الكريم (سراج)على المدونة ، ونسأل الله الإخلاص في القول والعمل ، وكل عام وأنتم بخير ، وتقبل الله طاعتكم

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة