2007/04/24

6- شيعة وسنة ... لماذا ؟

حمل التاريخ وُشقة الخلاف ... أربع عشرة قرناً فقط



يقول الكاتب الراحل الأستاذ / خليل عبد الكريم في كتابه { قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية } نقلاً عن البلاذري في مؤلفه أنساب الأشراف أنه في سقيفة بني ساعدة إجتمع المهاجرون والأنصار لبحث مسألة من يخلف محمداً - صلى الله عليه وسلم - بعد أن إنتقل إلى الرفيق الأعلى راضياً مرضياً ، فتكلم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وكان رشيداً فقال : نحن قريش والأئمة منا ، وعندما إحتدم النقاش بين الفريقين إستطرد رضوان الله عليه قائلاً : ولن تعرف العرب الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، ثم إلتفت إلى أحد زعماء الأنصار وهو بشير بن سعد رضي الله عنه قائلاً : نشدتك الله ، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الأئمة من قريش ؟ قال بشير اللهم نعم ، كما يستعرض الأستاذ / خليل عبد الكريم ما أورده الراحل محمد حسين هيكل في كتابه عن أبو بكر الصديق حيث يقول أنه لما تمت البيعة إلى أبي بكر الصديق كان في نفس علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - منها شيء ، فتوجه إليه أبو عبيدة رضي الله عنه وقال له : يا إبن عم أنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم في الأمور ، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك ، وأشد إحتمالاً ، فسلم لأبي بكر هذا الأمر ، وإنك إن تعش ويطل بقاؤك فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق ، ولكن علياً -كرم الله وجهه- لم يرضه هذا التلطف من جانب أبي عبيدة فثار ثائر علي وقال : يا معشر المهاجرين لا ُتخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم وتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأننا أهل بيته

قراءات مختلفة

بعد هذه المقدمة إستهللت حديثي إلى صديقي وزميلتي وقلت لهما أنه وبإنتهاء هذه الحادثة تم تدشين أحد أكثر الخلافات شدة وحدة بين المسلمين ربما طوال تاريخهم ، الأمر الذي أدى إلى تقسيمهم إلى مدرستين .. واحدة للصحابة ، وأخرى لآل البيت .. وكأنه لا جامع بين المدرستين في حين أنهما قد نهلا معاً من نبع النبوة الصافي ، ثم أتت محنة الإمام الحسين وبعض من آل بيته - رضوان الله عليهم - لتزيد من حدة الخلافات وُتعمق وُتجذر إلى أبعد حد دعائم كل من المدرستين سالفتي الذكر ، وإستطردت أنه لا توجد جماعة بعينها ولا مذهب بذاته يستطيع أن يدعي أنه يملك وحده الحقوق الحصرية لحب وموالاة النبي وآل بيته الطيبين الطاهرين ، فالمسلمين جميعهم مأمورون بذلك ، وأردفت أنه مهما إختلفت التأويلات والتفسيرات فيمن تقدم للخلافة وفيمن تأخرعنها ، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون محلاً لخلاف المسلمين ، فالبحث عن نقاط الإلتقاء أفضل كثيراً من تصيد نقاط الإفتراق ، وأن المذهب الشيعي لم يتجاوز للآن حادثة السقيفة وظل – بعد أربع عشرة قرناً – يرنو إليها بكثير من الألم والشجن ، وُيرجع إليها وحدها ربما سبب الأزمات التي تعيشها الأمة إلى يومنا الراهن ، وأن مسائل كالولاية والخلافة والإمامة والوصية والوراثة تعد الأكثر ألقاً وبريقاً في مسبحة الفكر الأصولي الشيعي وبدونها فإن حبات هذه المسبحة تنفطر واحدة تلو الأخرى وبالتالي فقد لا يجد المذهب الشيعي ما يقوم عليه ، وأضفت أن المذهب الشيعي لم يتجاوز أيضاً محنة الإمام الحسين بن علي وآل بيته – رضوان الله عليهم – ويرون فيها عاملاً إضافياً من عوامل التشرذم التي حلت وتحل بالأمة ... ثم سألتهما معاً : هل الشخصية أو النفسية الشيعية عموماً تفضل العيش في هذا الماضي الذي ولى برجاله وأحداثه عن أن تواجه حقائق الواقع ؟ وبالتالي فهل هي شخصية أو نفسية ذات إكتئاب مزمن ؟

تلقف صديقي وزميلتي سؤالي بشيء من سعة الصدر المشبوب بالصدمة ، وعلقا على كلامي بأقاويل عديدة منها أنه من العبث أو القصور في التفكير - أعتقد أنهما يقصداني - إعتبار الحديث عن الإمامة أو غيرها من المسائل الأصولية في الفكر الشيعي أمراً يثير الخلاف بين جموع المسلمين لأنها مسألة واقعية حالها في ذلك حال موضوع الخلافة التي تطرح مسألة القيادة في الإسلام ، وهي مسألة غاية في الأهمية ، وأكدا أن أساليب معالجة هذه المسائل غالباً ما تكون هي وحدها السبب في إثارة هذه الحساسيات والخلافات وليس صلب المسائل بذاتها ، وأكدا أن الساحة الفكرية تزخر بألوان عديدة ذات أغراض تشويهية للحالة الشيعية ممارسة وإعتقاداً مما يسبب بدوره تشويهاً لمفاهيم الشيعة وتصوراتهم وأن الأمر أهم كثيراً من يُختزل في شكل رأي عابر ، أو نظر غير متبصر... قلت لهما إن الأمة أو الجماعة ذات المناعة الطبيعية إن أرادت أن تبقى حية ثرية بين جموع الأمم الناهضة والجماعات المتطورة عليها أن تتجاوز بعزم وبقوة أزماتها التاريخية ، وخلافاتها المذهبية ، وإن لم يسعها ذلك فلا أقل من محاولة للتوفيق بين حالة ما كان وحالة ما هو كائن معتمدة أول ما تعتمد على حسن نية من سبقها فيما إجتهد فيه من أمر ، فلربما إجتهد هذا فأصاب ، وإجتهد ذاك فأخطأ ، وكلاهما مأجور إن شاء الله ، وعلى المذهب أن يبادر بالبناء فوق تراثه إن هو أراد النهوض واللحاق بركب الأمم والجماعات في طورصعودها ورقيها ، أما أن يبقى هكذا يعيش تحت ظلال من الماضي البعيد أسير حادثة السقيفة من جهة وسجين مشهد كربلاء من جهة أخرى ، ويتستدعي على مسامعه كل حين إصطكاك السيوف وصليلها التي نالت من قمم رموزه العالية ، ويستحضر مشاهد الأشلاء والدماء وشقة الخلاف التي جمعته مع غيره في مشهد كربلائي متكرر فهذا ما أراه أمراً يدعوا إلى الإستغراب وعصياً على الفهم لإنعدام الجدوى الواقعية من وراء كل ذلك ... بعد أخذ ورد ، وبعد أن سرداً لي عشرات الروايات من مسانيد أهل السنة وصحاحهم فيما يعتقدون مؤيداً لوجهة نظرهما في مسائل الولاية والخلافة والإمامة والوصية والوراثة عقبت بالقول : أنه بإستطاعتي أن أزودكما أيضاً بعشرات الروايات في مسانيدكم وكتبكم المعتبرة مما ينقض أو يناقض بعض من أرائكم الجوهرية في هذا الأمر، وأنه من الأفضل ألا نتمترس وراء روايات كانت ومازالت محلاً للطعن من كلا الفريقين ، وأن التقابل عند نقطة ما تكون محل إتفاق هو السبيل الأمثل للوحدة بدلاً من الفرقة .

وبعد المساجلات إنتهى النقاش بعد جدل بيزنطي طويل كما كانت تنتهي في الغالب أكثر نقاشتنا ، وقل في نفسي إن هذه جولة ستعقبها جولات ، ولم أكن أدري أن ما دار بيننا لم يكن سوى الجولة الأخيرة بعد أن أصبح الجفاء سيد موقف العلاقة لاحقاً ، فبعد مكالمات هاتفية روتينية ، ومجاملات في مناسبات إجتماعية خبا وهج علاقة إعتقدت أنها ربما مرشحة للإمتداد طويلاً رغم الأسوار الفكرية التي تفصل فيما بيننا ، ولا ألقي باللوم هنا على أي منهما ، وبالتالي فلن ألوم نفسي ، فيبدو -والله أعلم- أن كل طرف قد إنحاز بشكل ما لبوابة مدرسته وأمسك بمقبضها فيما يعتقد أنه حصنـه الآمن وملاذه الأخير .

إنتهى

هناك تعليقان (2):

medad يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولاً: من عرف الإمام علي بن أبي طالب
عليه
السلام حق معرفته، سيعرف انه لن يطالب بمنصب الخلافة إلا لأنه يعرف انه هو الأحق به من دون رجال قريش كلهم.
فمطالبة الإمام علي عليه السلام بالخلافة يكفي دليلاً -لمن عرف الإمام علي جيداً- لأحقيته بها.


ثانياً: مخطيء من كان يرى بأن إحياء تاريخ أهل البيت عليهم السلام كمصيبة الإمام الحسين عليه السلام الفجيعة وباقي مصائبهم عليهم السلام مجرد إحياءات ليس فيها إلا الحزن والتذمر، بل إن هذه الإحياءات تعتبر فكراً وقيماً لو تمسكت بها الأمة لما استطاع احد من الطواغيت والمتجبرين ان يعلو عليها ويذلها، فذاك الحسين الشهيد عليه السلام بهتافه المشهور "هيهات منا الذلة" وبقوله "إن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة" قد صنع رجالاً لا يهابون الموت ويسلمون انفسهم له في سبيل المبدأ والعزة والحرية. وانتصار المقاومة الإسلامية اللبنانية واذلالها للصهاينة خير دليل على ما اقول.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

adhm يقول...

مجهود رائع يستحق الاشادة
وطريقة للنقاش مثمرة
لكن
هل اكتشف السنة الان فقط وبعد اربعة عشر قرنا من الزمان
ان هناك شيعة يغايرونهم فى بعض تفسيرات دينهم
من يحرك الخلاف فى التفسير من نقاش العلماء الى صراع الجهلاء والعامة
تحياتى

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة