2007/04/02

1- عندما يكون للشاطىء إبنة


مقالة مهداة بداءة لسيدات وبنات الحقبة الراهنة ... لعل وعسى
فلنترك بنت الشاطىء الآن ترسم الإطار من بعيد

بنت الشاطىء والأستاذ الخولي

تقول عائشة عبد الرحمن " بنت الشاطىء " إبنة شبرا بخوم ... بعد خمس سنوات من المكابدة والعذاب وصلت إلى باب الجامعة أحمل شهادة البكالوريا أدبي التي ظفرت بها عام 1934 مع قلة من الناجحين من منازلهم ، وهناك ألفيت الباب موصداً في وجهي بقضبان من فولاذ ، وفي العام التالي إلتحقت بكلية الآداب على أساس أن أحضر لكل أستاذ عدداً من الدروس يكفي لإثبات وجودي ، وكان يقيني آنذاك أن الأمر بالنسبة للغة العربية أيسر من أن أشغل نفسي به ، فكان يكفي - حسب تصوري- أن أحضر درساً واحداً لكل أستاذ - ثم أفرغ منه يوم الإمتحان ، لكن فريقاً من زملائي تحدوني أن أستغني عن درس واحد من دروس الأستاذ / أمين الخولي في البلاغة والتفسير على مدى السنوات الأربع ، فكانت أداري شعوري بالرثاء لضعفهم وأقابل تحديهم بنوع من الإستخفاف ، حيث قضيت عاماً بأكمله سادرة في أوهام غروري بما عندي من بضاعة القوم ، مباهية بقديمي الأصيل الذي ما تصورت أن الأستاذ الخولي يمكن أن يضيف إليه جديداً من عنده ، وكان حصاد ذلك العام عزلة نفسية وفكرية لي من هذه الجامعة التي كانت تلوح لي من بعيد { كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً } وإنتظرت موعدي معه لألقاه في درسه الأول للقرآن بالسنة الثانية وهاجس خفي يلقي في يقيني أنه اللقاء الأول الحاسم الذي تتم به التجربة حيث يبدأ منه إنطلاق خطواتي على معارج الطريق الواصل إلى الحق بعد أن تنجاب من الأفق سحب الوهم وتتكشف ظلال السراب ، وفي إنتظار الموعد المرتقب عكفت طوال أشهر الصيف على مراجعة ما في مكتبة والدي من ذخائر علوم القرآن والبلاغة إستعداداً للقائه وقد زين لي الغرور أني بإستيعاب تلك الكنوز أكون نداً لهذا الأستاذ الذي حسبته بهر تلاميذه من نبعنا الذي ُحجبوا عنه ، ودخل الأستاذ الخولي بسمته المهيب المفرد فألقى علينا التحية وإقترح لكي نتعارف أن يعرض علينا مباحث المادة المقرر علينا دراستها من علوم القرآن ، ولكل طلب أن يختار مبحثاً منها يعده ويعرضه للمناقشة ، وبادرت فأعلنت إختياري للموضوع الأول ، وعاد الأستاذ يسأل كل طالب منا عن الوقت الذي يحتاج إليه في إعداد بحثه فأجبت في عناد وشموخ .. يكفيني يوماً أو بعض يوم ، ولم يفتن أن الأستاذ رآني تورطت في هذا التعجل فكأني خشيت أن يأخذ عني فكرة خاطئة ، وقلت أسأله مدللة بما أملك من ذخائر : هل يكفيني أن أراجع في موضوعي كتب الأتقان ، واللباب للسيوطي ، والبرهان للزركشي ، مع الإستئناس بتفسير بن جرير الطبري ؟ فأجابني بأن كتاباً واحداً يكفي لو أنك عرفت كيف تقرأين. ثم بادرته قائلة : ما ذكرت هذه الكتب إلا لأنني قرأتها وإستوعبت ما فيها ، وإنما كان سؤالي عن مصادر أجنبية ، ظننت أن الأستاذ قد يضيفها إلى مراجعي فأجابني : لو أدركت الفرق بين المصادر والمراجع لما تورطتي في هذا السؤال... وتحيرت لا أملك سؤلاً ولا رداً ، وتابعت الإصغاء إلى الأستاذ وهو يلقي علينا مبادىء منهجه حريصة على ألا تفوتني كلمة مما يقول ، وإنجلى ما حسبته سراباً ، فإذا الجامعة تعطيني من جديدها ما لم يخطر لي قط على بال ، وإذ القديم الذي جئتها به يجلوه المنهج فيمنحه روح الحياة وحس العصر ، وإنتهت المرحلة الجامعية الأولى ولم يبق لي من زهو الطموح إلا إدراكي لحاجتي أن أتعلم وتطلعي إلى أن أظل ما عشت تلميذة لهذا الأستاذ الذي علمني كيف أقرأ .

من كتاب : هجمة علمانية جديدة ومحاكمة النص القرآني - د./ كامل سعفان .. بتصرف

يُتبع

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة