2015/01/05

ماهية المقدس ! - 4/1




( متى يتم هذا التحول في ثقافتنا من المقدس إلى الإنساني ، وعلى الرغم من عدم وجود نقيض للفظ المقدس كما هي الحال في اللغات الأجنبية ، فإنه يمكن إستعمال الدنيوي ، على الرغم من أن المقابل له في العربية هو الديني ، وفي ثقافتنا أصبح كل شئ مقدساً ، جسد الرسول ، شعره ، بوله ، ولباس الرسول ، نعله ، قفطانه ، وعمامته ، ومركب الرسول ، بغلته وحماره ، وأواني الرسول ، كوبه وصحفته ، أما فقر العامل والفلاح وعذاب المواطن في المواصلات ، وسعيه نحو لقمة العيش ، وحاجته إلى التعليم والعلاج والإسكان ، ونظافة الطرق ، ونقص الخدمات ، فخارج عن نطاق المقدس ، تُـقبل أيدي المشايخ والأئمة والأولوياء ، ويُعتدى على حياة الفقراء والمساكين ، فأين المقدس ؟ ) .

بهذه الكلمات السابقة – بين قوسين - إختتم الأستاذ الدكتور / حسن حنفي أستاذ الفلسفة الإسلامية والفيلسوف المصري المرموق بحثه القيم حول :-

رؤى العالم المقدس كمحدد
لتابعية الرؤية الدينية للعالم
سلطة المقدس

وكأني قد وقعت على صندوق يحمل الأجوبة على أسئلة مازلت لديِّ حائرة ومترددة ، ولكن السؤال الذي إختتم به د. حسن حنفي بحثه ( فأين المقدس ؟ ) ، أوحى ليِ بأن الرجل على سعة علمه وموفور تجربته ، لم يصل هو الآخر إلى إجابة ، الأمر الذي أغراني بإعادة قراءة البحث بتؤدة وهدوء متجرداً من أية مواقف مبدئية ، أو عناوين سابقة التجهيز ، لعلي بذلك أصل إلى أجوبة شافية في ظل التشوهات التي نالت من هذه المفردة الفريدة .. المقدس .

في حديث سابق مع بعض الأعزاء على الفيس بوك ، تم مناقشة هذا الأمر ( ما أو من المقدس ؟ ) ، النقاش وقتها لم يكن مستفيضاً ولا دسماً إلى الحد الذي تستطيع معه أن تتبني وجهة نظر نهائية ، ولا حتى ان تدعها بالكلية ، ولكن من حادثتهم في هذا الأمر قد إنتهوا – كل بطريقته -  إلى أن المقدس ليس سوى الإنسان الذي هو الغاية النهائية لأي جهد إنساني أو علمي .
فلندع هذا الآن ، ولنصطحب د. حسن حنفي في رؤيته عن (المقدس) ، وسأحاول قدر الإمكان أن أكون موجزاً بلا خلل ، ولا أكون مستطيلاً حد الملل .
*** 
 بعد مقدمة تاريخية فلسفية- يمكن تجاوزها – يقفز د. حسن حنفي إلى صلب الموضوع ويتساءل ( المقدس .. في الموضوع أم في الذات ؟ ) ، أي هل المقدس في الشئ المقدس أم في الذات المقدسة ؟ هل هو في الموضوع أم في الذات ؟ هل له وجود موضوعي أم هو حالة نفسية من حالات الذات ؟ ثم يستطرد أنه إذا كان المقدس ليس مقولة معرفية بل حالة شعورية ، فإنه يكون في فعل التقديس وليس في موضوع التقديس ، بمعتى أنه ليس بناءاً في الذهن أو مقولة من مقولاته ، بل هو موقف نفسي وإجتماعي في العالم ، فيتكون المقدس بفعل التقديس ثم يُشخص في الخارج ، ويتحول من ذات إلى موضوع ، ومن حالة إلى شئ ، وهو أحد إستعمالات الفعل في القرآن ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) .

ثم وبناءاً على ما تقدم يقول د. حسن حنفي أن المقدس إنما ينشأ من الجهل ، وعدم القدرة على فهم الظواهر الطبيعية ، وللإستعجال في الحكم وعدم الصبر على طول التأني في المعرفة وتعدد وسائلها ، كما ينشأ من نقص في إدراك الصلة بين العلة والمعلول ، فكما ينشأ المقدس من الخوف والموقف الإنفعالي من العالم كالخوف من ثعبان أو فيضان أو ريح ، فينشأ التقديس لإتقاء الضرر وجلب المنفعة .

وفي الوقت الذي تتم فيه مواجهة الأخطار بدفع المضار وجلب المنافع بالعقل والعلم أي معرفة الأسباب ، ينتهي التقديس ، كما ينشأ المقدس من العجز عن مواجهة الأخطار والرغبة في إتقائها بأشكال أخرى من الفعل غير المباشر مثل السحر والطقوس والرقص والدعاء والبخور والأضاحي والقرابين .

وفي الوقت الذي تتم فيه الثقة بالنفس والقدرة على المواجهة بالفعل المباشر وإتقاء الخطر وجلب المنافع يتوقف فعل التقديس ، لأن تحقيق الأماني يكون بالفعل المباشر والتخطيط ، وتتجلى سلطة المقدس الخارقة في المعجزات وخوارق العادات والقوى الفائقة ، مثل الملائكة والجن والشياطين .

       يُـتبع

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة