2015/01/10

إسلام بحيري .. معركة نبيلة




لا أحد يجب أن يقلل من شأن ما يقوم به الشاب الأربعيني / إسلام بحيري على قناة القاهرة والناس في برنامجه ذائع الصيت (مع إسلام) ، هذا الشاب الجسور وبمتابعة شبه منتظمة لحلقاته أرى أنه يسبق ربما عدد من أسلافه ممن تصدوا لظاهرة (سلفنة الدين) ، وربما هذا يعود في جزء منه إلى الانتشار الهائل للقنوات الفضائية التي أتاحت له ما لم يكن متاحاً وقتها لكثير ممن سبقوه والذين يشاطرونه المنهج وأسلوب التفكير .

قد تتفق مع هذا الشاب في قليل أو كثير ، غير أنك لا تملك سوى أن تنظر إليه بعين الإحترام والإكبار ، لجرأة الطرح الذي يقدمه ، وعدم المبالاة بأقوال المهددين والمتوعدين ، وفي ظني أنه صاحب سبق وفضل في كل ما يُثار الآن ومنذ فترة حول ضرورة النظر في كتب التراث الإسلامي بعين النقد والتنقيح على أساس من قواعد المنطق الصحيح التي تقوم على فكرة أن المقدمات الصحيحة إنما تُفضي دوماً إلى نتائج صحيحة .

غير أن أشد ما يُلفت النظر في حلقاته – بالإضافة إلى منهجه بالطبع - هو هجومه الشرس – وبلا هوادة – على رموز السلفية ، ليس على وجه العموم ، وإنما على وجه التخصيص والإشارة المباشرة ، بل والتعيين بالإسم دون تعريض أو مواربة ، والمرءُ غالباً لا يلجأ إلى الصدام المباشر ، والنزول إلى ساحة النزال ، مع طلب المبارزة إلا إذا كان متمكناً من أدواته ، وممتلئ ثقة بمنهاجه ، الأمر الذي يفسر لنا هذه الحملة المسعورة من أتباع السلفية ضده .

البرنامج الذي يقدمه إسلام بحيري جدير بالتأمل بحق ، ولا يمكن لأي منصف أن يتجاهل أن تساؤلات كثيرة قد نازعته عند إنتهاء كل حقلة من حلقاته ، بل ولربما تاقت نفسه الجائعة إلى سماع وإستيعاب المزيد منها ، فلا أقسى على النفس من أن تكتشف – هكذا فجأة - أنها ظلت لعقود عاكفة على عبادة أصنام بشرية من دون الله ، وأكبت وبنهم على قدر ليس بالقليل من النصوص الذابلة التي حظها من الصحة يتساوى مع حظها من الخطأ في أفضل الأحوال ، وهي بهذه المثابة –  النصوص – لا يمكن أن ينبني عليها حكم شرعي حتمي تكون نتيجته المباشرة إزهاق روح هنا ، أو ترويع آمنيين هناك .

إسلام بحيري وبرنامجه باتا أكثر شغفاً في المتابعة لاسيما في ظل هذه الحوادث الإرهابية التي تضرب شرقاً وغرباً بإسم الدين ، والمستندة (لحماً وعظما) إلى تخرصات جهال السلفية لا أكثر الله من أمثالهم ، ولكنهم يبدو أنهم مستمرون معنا لبعض الوقت ، كأسوأ ما يكون الأضياف ثقلاء الظل والروح .

لا أعلم ما المصير الذي سيواجهه إسلام بحيري في مستقبل الأيام ، ولكن في جميع الأحوال فإني أراه مستحقاً للإشادة حقاً ، وإن شئتم فالنصرة لأهمية ما يقوم به ، وبالنظر إلى النتائج النهائية والمرجوة التي من الممكن ان تتمخض عن هكذا جهود تُبذل.

غاية الأمر ، وهذه مسألة عابرة أن البرنامج من الممكن أن يحقق الفائدة المبتغاة منه بأكثر مما هي عليه الآن لو تم إدخال بعض من التعديلات على طريقة تناول الموضوعات المطروحة كالإستعانة بالإحصاء الرقمي مثلاً للأحاديث المختلف على صحتها ، وتلك الفاضحة في مجافاتها لصحيح الدين والفطرة ، والتنبيه عليها والإشارة إلى رواتها نصاً وعدداً ، مع إشارة إلى أسماء كتب التراث التي إستندت إليها ، صحيح أن هذا جهد قد يفوق طاقة البرنامج - إعداداً وتقديما – ولكن من الممكن أن يكون عاملاً مساعدا على حسم الكثير من القضايا في وقت أقل ربما بالنسبة لعموم البسطاء من المشاهدين .

*****
أنا شخصياً أنظر إلى كتب التراث بمعيارين ، معيار أدبي لغوي ثقافي ، أعمق به نبع اللغة ، وأزيد من كم المفردات في مخزون الذاكرة ، وأقف على قواعد النظم والإتساق ، حالها في ذلك حال كل نص نثري بديع من قديم أو حديث ، علاوة على كون مهنتي (المحاماة) تستأهل هكذا إهتمام .

أما المعيار الآخر فهو المعيار الشرعي طالما لم يخالف هذا (المنقول) كتاب الله روحاً ونصاً وعملاً ، ولا يتعارض مع المقاصد الكلية للشريعة وأخصها حفظ النفس والمال ، بل ويجب أن يكون المنقول ثابتاً نسبته إلى الرسول حقاً ، فليس كل حديث وإن بدا متسقاً ومتكاملاً مع نصوص القرآن الكريم نعتبره حديثاً شريفاً ، فالحديث هو ما صح قوله وفعله وتقريره بلا أدنى لبس أو تزيد بوجه من الوجوه .

وأكم من مرة ساورتني الشكوك ولعبت برأسي الهواجس وأنا أسمع وأقرأ بعض المنقول من أحاديث الرسول ، وأتحدث بلسان المتشكك ( أيصح أن يكون الرسول قد فعل هذا ، وهل من المعقول أن يكون قد قال هذا ؟ ) ، إن أي قول أو فعل أو تقرير منسوب إلى الرسول لا يمكن بحال أن يكون متصادماً مع الدين ، بل ولا مع الفطرة الإنسانية السليمة التي فطرنا الله سبحانه عليها ، فالرسول ليس مبلغاً فحسب ، فقد أنيطت به وظيفة التشريع بنص القرأن ، مع كل ما ينبني على هذه الوظيفة من تبعات هائلة تخص أمور العبادة والإعتقاد .

هذه ملامح سريعة ، وإنطباعات عابرة وليست نهائية بالطبع حول الشاب / إسلام بحيري وما يقدمه من جهد في مضمار يعد الأصعب في أية مواجهة يمكن تخيلها ، فليس بهين إطلاقاً أن تحاول (خلخلة) الأعمدة التي يقوم عليها صرح السلفية الحامل لأصنام يجرى نحتها منذ أكثر من عشرة قرون .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة