2015/01/08

ماهية المقدس ! - 4/4








في خاتمة هذه السلسلة عن المُقدس ، يدلف بنا د. حسن حنفي إلى الجزء الفلسفي من الموضوع ، فيقول أن المقدس هو نوع من الإغتراب عن (الأنا) في (الآخر) ، وعن (المعلوم) في ( المجهول) ، وعن (العجز) في (القدرة) ، وعن (الحقيقة) في (الوهم) ، وعن (الواقع) في (الخيال) ، وعن (الشاهد) في (الغائب) ، وعن (العيني) في (المجرد) ، وعن (الذات) في (الموضوع) ، وعن (العالم) في (الله) .

ويؤكد الفيلسوف الألماني فيورباخ - بحسب الكاتب - أن الإغتراب هو خروج أحشاء الإنسان وقلبه خارجه ، وبقاؤه بلا أحشاء أو قلب ، أي يصبح الإنسان جسداً بلا روح ، أي أن يتحول إلى شئ مثل بقية الأشياء ، فالإغتراب موت بإسم المقدس ، والحياة هي في العودة إلى العالم .

يمضي بنا د. حسن حنفي إلى نقطة أعتبرها جوهر الموضوع برمته ، فيقول أن ما يظنه الناس (شريعة مقدسة) هو في الحقيقة (شريعة تاريخية) في كثير من جوانبها القانونية ، حتى وإن إستمرت المبادئ الأخلاقية ، فكثير مما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق مشروط تاريخياً ، كتعدد الزوجات ، والولاية في الزواج ، والقوامة ، والشهادة ، والإرث ، والولاية العامة ومنها رئاسة الدولة ، وقوانين الحرب والسلم مثل الإسلام والجزية والقتال ، والسبايا والغانم ، والرق ، وأحكام العبيد ، والحجاب او النقاب ، فكل ذلك يعبر عن مرحلة من مراحل التطور ، فكثير منها خضع لقانون (النسخ) ، أو (تعليق الحكم) ، كما علق عمر بن الخطاب حكم المؤلفة قلوبهم ، وبعض الحدود قد يتم التساؤل حول مدى إتفاقها مع حقوق الإنسان مثل الصلب والرجم ، وقطع اليد أي (العقوبات البدنية) ، فالمقدس هو إخراج الشئ خارج الزمان والمكان وتحنيطه بإعتباره لا تاريخ له ، ثم يأتي دور الدراسات التاريخية ليعيده إلى التاريخ ، ويرد إليه حياته في الزمان والمكان .

إن التطور الطبيعي لكل الثقافات هو (التحول من المقدس إلى الطبيعي) ، من (المغترب إلى الأصلي) ، ويستشهد د. حسن حنفي هنا بأراء عدد من الفلاسفة والمفكرين الغربيين منهم ، شليرماخر ، الذي حول الخطاب الإلهي إلى خطاب إنساني ، وحول اللاهوت العقائدي والنظري والجدلي إلى لاهوت أخلاقي عملي ، وأخرج (القداس) من داخل الكنيسة المغلق إلى حيث العالم الفسيح ، وأرجع الخطاب اللاهوتي  إلى تجارب ذاتية .

يستشهد ايضاً د. حسن حنفي بكتابات كارل ماركس خاصة في (المخطوطة الفلسفية الإقتصادية) من إعتباره المقدس إغتراباً إجتماعيا لا ينتهي إلا بالتغيير الإجتماعي ، واعتبر أن الشعب المختار ليس شعباً مقدساً بل هو شعب عنصري يستعلي على بقية الشعوب ، وأن المقدس ما هو إلا إضفاء الشرعية على السيطرة والإستغلال ، ويختتم د. حسن حنفي البحث بالقول أن مهمة الهيجيلين الشبان هي إنزال المقدس من السماء إلى الأرض ، والكشف عما تحت التقديس ، على عكس ما يتم في تراثنا من تأسيس التقديس .
 وقبل أن يغادرنا د. حسن حنفي طرح تساؤلاً في نهاية بحثه ( فأين المقدس ؟ ) ، فهل أجاب من خلال عرض المقالات السابقة ؟ أم تراه ترك الإجابة ، لي .. ولك ؟ .

*****
المرجع : مجلة عالم الفكر
المجلد 40 - العدد رقم 3 (يناير - مارس 2012)
إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 
الكويت .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة