2015/01/12

الأمنية .. عندما تأتي متأخرة !!





إذن فهي  رياضتي المفضلة .
وحبي الذي لم ألتقيـــــه قط .

نعم .. منذ 3 عقود وربما أكثر يزداد شغفي بهذه اللعبة ، فقد أصبح لديِّ خبرة واسعة بكافة تفاصيلها وقوانينها ، بل أنني أتفاخر بين أقراني بأنه بوسعي تحكيم مباراة لا يقدرعلى إدارتها سوى الحكام من ذوي الشارات الذهبية الدولية .. وهذا صحيح بلا فخر .
عهد قديم مضى على متابعة أساطين اللعبة الذين لحقت بهم في سن مبكرة نوعاً ما ، قضيت ساعات طوال أمام التلفاز اتابع - وبأعصاب محترقة أحياناً - نجومي المفضلين آنذاك ( بيورن بورج - جون ماكنرو - كريس إيفرت ، مارتينا نافراتيلوفا ) ، وغيرهم كثير .

كان مضرب التنس يمثل أحد اهم الأشياء التي تمنيت إقتنائها ، لا لشئ سوى محاولة تلبس الحالة ، والإنسجام النفسي مع أمنية لم تتحقق أبداً ، وهي أن أمارس هذه اللعبة بالفعل ، لا مكتفياً بالمشاهدة فحسب ، والعمل من جهة أخرى على إنهاء حالة التأسف على بقائي - طوال هذا الوقت -  ضمن مقاعد المشاهدين .

في سني الصبا الأول ، تحدثت إلى الوالد بشأن رغبتي في ممارسة هذه اللعبة ، وهو بعفويته بادر بالموافقة الفورية مبتدراً إياي بالقول ( الرياضة شئ جيد على أي حال ) ، أدركت أنه لم تصله رسالتي ، كان الأمر في حاجة إلى مزيد بيان ، فقلت له أن ممارسة هذه اللعبة لها من المتطلبات ما ليس لغيرها من اللعبات الشعبية الأخرى ، وبدأت أعدد له بعضاً منها (مضرب مخصوص - ملابس رياضية - كرات للعب - أحذية ) ، أوما لي موافقاً ، وأكد بأنه سيعمل على شراء هذه اللوازم بعد الإستعلام عن أسعارها من أصدقائه ، وحتى كتابة هذه السطور لم أتلق رداً من أبي .

بعد مضي سنوات على هذا الحوار أدركت لماذا لم أتلق الرد المنتظر ، فقد إكتشفت كم هو باهظ سعر هذه المتطلبات الذي يفوق ميزانية أسرة بكاملها على مدار شهر وربما يزيد ، إستسلمت للأمر الواقع ، لكن ظل حب مشاهدة المباريات مقدماً على غيره من صنوف المواد والبرامج ، فضلاً عن متابعتي الحثيثة – وللآن - لكل فعاليات اللعبة وجداول البطولات وتوقيتات المنافسات ، بل متابعة لكل ما يُنشر عن اللعبة ، وكذا التعديلات على قوانين ممارستها ، وأخبار نجومها ، والمدخولات الضخمة التي يجنونها .

بعد سنوات عديدة تالية .. أحد أبنائي ممن كانوا شهوداً على حالة التأسف البين على عدم تمكني من ممارسة هذه الرياضة ، رسخ في وجدانه هو الآخر - فيما يبدو - حب هذا اللعبة - وبدأ يشاركني متعة مشاهدة هذه المباريات .

 وحدث أثناء دراسته الثانوية أنه كان يدرس مادة التربية البدنية (إجباريا) ، وكان عليه إختيار إحدى الرياضات لتكون موضوع الدراسة ومحل الإختبار ، فإختار التنس ، ولكم كانت فرحتى عظيمة عندما قال لي أن إختياره لهذه المادة لن يقف عن حد الدراسة النظرية ، بل أنه مطلوب منه شراء ( مضرب وكرات تنس) لتطبيق الجانب العملي من مادته الدراسية  ، تركته لبرهة .. عدت بالذاكرة من جديد ، يا الله .. ما فشلت في ممارسته ، ها هو أحد أبنائي يُقدم عليه ، ولعلي الآن أذكر تماماً أنه عند شراء هذه المستلزمات وجدتني أمسك بالمضرب ، ثم نظرت إليه ملياً ، أقلبه ، أتفحصه ، أختبر شده خيوطه ، ولسان الحال االممزوج برائحة الماضي يقول ( ها أنت أخيراً بين يديِ ) .

أخذت أطوح بالمضرب يميناً ويساراً ، فهذه الضربة الأمامية لروجر فيدرر  ، وتلك الضربة الخلفية للأعسر رفائيل نادال ، هكذا الإرسال يجب أن يكون ، وهكذا ما يلزم أن يكون عليه الإستقبال ، وبات هذا المضرب وللأن من ضمن مقتنيات محببة لديِّ ، شاهداً ربما على مرحلة إخفاق ونجاح في آن واحد ، هكذا هي الحياة إذن ، تمنحك أشياء ، وتحول بينك وبين أشياء ، وهي وإن تمنحك .. فقد تعود فتسلبك ، وان سلبتك يوماً فقد تعود وتمنحك لأيام ، في شخصك ربما ، أو في شخوص أبناءك أو من تحب ، قد يكون المنى قد تأخر عليك قليلاً ، ولكنه قد أتى ، أو سيأتي على كل حال .
                                                                    ياسر حجاج           

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة