2015/01/19

سياج الخصوصية !

صورة معبرة عن الموضوع كارل ساندبيرغ


كارل ساندبرج
كاتب وشاعر أمريكي
1878 - 1967

(حب لجارك كما تحب لنفسك ، لكن لا تهدم السياج)

بقلم : ياسر حجاج

ما يهمني في هذه المقولة ليس سوى شطرها الثاني ، ذلك أن الشطر الأول منها هو أمر مفترض ، بل وبديهي تماماً فلا أرى داعياً للإستغراق في تفسير المفسر ، فأغدو كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء .
الكاتب الأمريكي هنا يدُلك على وصفة حكيمة ، ويبدو لي أنه قد جربها بنفسه ، وإلا ما كان للمقولة هذا الألق رغم بساطة كلماتها ، وقلة مفرداتها ، وهذا شأن الحكمة على أية حال في كل عصر ودهر ، فتجارب السنين ، وتراكم الخبرات يجعل من اليسير على البعض أن يقدم لك (عصارة) مختصرة ومركزة لكومة كبيرة من الثمار ، شأنها في ذلك شأن كبسولة علاج لا تكاد تظهر في راحة يدك ، ولكن كان وراءها بالتأكيد جهداً هائلاً ، وإختبارات معملية لا حد لها .

عودة إلى شطر المقولة الثاني ( ... لكن لا تهدم السياج ) ، نعم .. فإبقاء بعض الحدود الفاصلة في علاقتك بالناس على وجه العموم ، هو أمر خليق بكل نفس تنظر بعين الإكبار والإحترام لذاتها ، وجدير بأولئك الحريصون على وجود قدر من (الهيبة) في أعين الناس من حولهم ، لاسيما في ظل التشابك المعقد - أحيانا - في العلاقات الإجتماعية والعملية التي نحيا في ظلها ، والتي بات الإنسان على إثرها مكشوفاً ، وإن شئتم فشبه عارِ أمام الجميع .

 ولعل من نافلة القول التأكيد على أن هذا السياج لن يكون واحداً في مواجهة الجميع وبذات الدرجة ، فإرتفاع هذا السياج سيتوقف حتماً على مدى نظرتك وتقديرك لمن هم حولك ، فمنهم من يجب أن يكون هذا السياج عالياً بالنسبة لهم ، ودون ذلك ربما بالنسبة لآخرين ، بل أنه وفي ذات الخصوص فإن ملامح هذا السياج سينالها التغيير حتى بالنسبة للإنسان الواحد من وقت لآخر ـ وذلك بالنظر إلى مدى تقدم علاقتك الشخصية به ، وفي ضوء تراجعها أحياناً .

إن الإبقاء على (سياج ما) في العلاقات بين الناس - في ظني - هو أول وأهم شروط الخصوصية في إطار العلاقات الإجتماعية الناجحة ، وكذلك في صنوف العلاقات التي يُقدر لها أن تستمر طويلاً ، فالنجاح هنا لا يستلزم بالضرورة وقوف المرء منا على أدق تفاصيل الغير ولو بحسن نية ، فالإقتراب المحسوب ومراعاة خصوصية الغير هما مناط النجاح ، فالحميمية المبالغ فيها ليست في الواقع سوى حمة مرضية ، وطوق خانق .

فضلاً عن ذلك لا يقتصر الأمر - حسب المقولة - على دعوتك أنت إلى الإبقاء على هذا السياج ، إنما يخاطب ربما - وإن كان بشكل غير مباشر - الطرف الآخر محذراً إياه من تجاوزه أو محاولة القفز عليه من جهته ، هذا على الرغم من أن الواقع العملي قد لا يكون بهذه السلاسة أو ذاك التبسيط ، لكنها محاولة لا بأس بها قد تكون مفيدة خصوصاً لمن يعانون من المتطفلين ، وما أكثرهم في مجتمعاتنا .  

إن إفتقادنا لهذه الحدود النفسية الفاصلة في علاقاتنا بالغير قد أدى إلى العديد من المشكلات الحياتية التي ربما تكون قد واجهت فريقاً منا ، وهي ما كانت لتحدث في كثير من الأحيان لولا أن البعض قد تساهل - ولو عن دون قصد - في البوح بكل ما تعتمل به نفسه من مشاعر سلبية أو حتى إيجابية .

على المستوى الشخصي ، فإني أعتبر نفسي منتمياً إلى مدرسة الحدود الفاصلة في العلاقات أياً ما كانت أطرافها وبشكل حاد أحياناً ، بل أنه وفي الإطار الضيق لهذه العلاقات (الأسرة مثلاً) ، أرى الحفاظ على قدر عال من الحدود (الأدبية غالباً) ، فما أرجوه ليس حباً ، بقدر ما أرنو إليه من إحترام وحفظ مكانة ، وفي الحقيقة فقد نلتها كلها من زوجتي وأولادي .. والحمد لله .

فلدواعي سلامكم وسلامتكم .. لا تهدموا السياج

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة