2015/01/21

مرح ما قبل القراءة !



بقلم : ياسر حجاج

إن تجربة قراءة كتاب جديد تمثل مرحاً شخصياً بالنسبة لي بصرف النظر عن موضوع الكتاب أو حتى إسم المؤلف ، وللناس فيما يقرأون مذاهب ، غير أنني هنا لست معنياً بتتبع مذاهب الناس ، يكفيني على الأقل أن أرصد مذهبي .
عندما أحزم أمري على شراء كتاب أو مجموعة من الكتب يعلو صوت الصبي المشاغب داخلي ( هيا .. لنبدأ المرح ) ، ولا ينتهي ذاك المرح غالباً إلا بوضع الكتاب إلى حيث المثوى المُقدر لأقرانه على أرفف مكتبتي الجاذبة للأتربة والعوالق بطبيعة الحال ، لتبدأ بعدها مباشرة – أو بعد حين – تجربة مرح جديدة .

ليس لدي ميل حاد إلى نوع معين من الكتب – بإستثناء التاريخ ربما ، والقانون بحكم التخصص – فأنا في القراءة من ذاك الصنف (الرمرام) ، أدب على تاريخ ، كتب طبية ، ووصفات غذائية ، شعر مع سياسة ، برمجة ورياضة ، وكل صنف من هذه التشكيلة وغيرها يستأهل مني إهتماماً بذات الدرجة أحياناً ، فيستوي عندي مثلاً الجهد المبذول في قراءة كتاب عن بني أمية ، مع فصل عن أفضل الطرق لتحضير شوربة البازلاء .

رحلة المرح تبدأ غالباً في المكتبات ، وهنا يأتي دور الإنطباع الأول في تحفيزي على ممارسة فعل الشراء من عدمه ، وما لم يكن الكتاب مستفزاً لي بدرجة إيجابية كافية فإنني غالباً لا أقتنيه ، وعناصر الإستفزاز كثيرة في الواقع ، تبدأ بمقدمة الناشر في الغلاف الخلفي للكتاب ، ثم ريشة الفنان بالغلاف الأمامي ، مروراً بذاك الذي تورط في عمل تقديم للكتاب ، ثم يأتي أخيراً دور المؤلف وموضوع كتابه ، العناصر الثلاثة الأولى أمر عليها مروراً سريعاً جداً ، ففي دقائق معدودة يكون القرار ، إقداماً أو إحجاماً ، وهاكم الآن بعض من عناصر المرح قبل القراءة  :-

1- مقدمة الناشر
كونك تقتني كتاباً لا يعني بذاته أنه كتاب جيد ، مع أن القرينة هنا (الإقتناء) لا تفيد إلا معنى الجودة ، وإلا فلما إقتنيته أصلا ؟  في القانون يعلموننا أن هذه القرائن البسيطة قابلة لإثبات العكس إذا تمكن المرء منا أن يُثبت بالدليل انه كان إنساناً طيباً ، ودوداً إلى الحد الذي إستطاع معه ببراعة أن يتجاوز صدمة (التقدمة) للكتاب من قبل الناشر مثلاً ، فالناشرون بلا شك أناس جادون يستهلون مقدماتهم للكتب التي تصدر عن دور نشرهم بالتأكيد على حقيقة مفادها أن موضوع الكتاب الذي بات بين يدي القارئ هو موضوع جديد ، أو قديم برؤية جديدة ، أو جديد وفق منظور قديم ، أو قديم وجديد في آن ، وبعد أن ينتهون من هذه (العكوسات) ، يبدأون بالثناء الحسن على المؤلف مروراً بمحبرته وقرطاسه وقلمه وربما دخان سجائره ، ثم يختتمون هذه التقدمة بالعبارة الأكثر مللاً  في التاريخ والتي تقول ( ... ، وهذا الكتاب من شأنه أن يسد فراغاً كبيراً في المكتبة العربية) ، هل تصدقون ذلك ! .

2- غلاف الكتاب
إذا كنت مازلت محتفظاً بثباتك الإنفعالي بعد تقدمة الناشر ، وكان مستوى ضغط الدم عندك لم يُجاوز نسبة الأمان (130/90) ، فستجد نفسك مؤهلاً نفسياً للإنتقال إلى حيث الغلاف الأمامي للكتاب حيث ريشة الفنان الذي عُني أو كُلف بموضوع الكتاب رسماً ، وهذا الجزء المثير ينبغي أن أتوقف عنده قليلاً .

فمعظم الكتب التي أقتنيها كان غلافها الأمامي أحد أهم أسباب إقتنائها ، حيث تبرز أهمية الغلاف بالنظر إلى مدى تناغمه مع عنوان الكتاب ، وإشاراته الضمنية وغير المباشرة التي تقع في روعي كقارئ من الوهلة الأولى ، وفي ظني أن الغلاف يجب أن يستأهل من العناية ما لموضوع الكتاب نفسه سواء بسواء ، والمؤلفون المبدعون حقاً هم من يُعنون بدرجة كبيرة بأغلفة كتبهم بحسبانها الواجهة الأولى لعين القارئ ويتوقف عليها - إلى حد ما - إقتناء الكتاب من عدمه .

وفقاً للخيال القديم ستجد الغلاف برسمه أو صورته وقد أدخلك مباشرة إلى صلب الموضوع دون إعطاءك كقارئ أي فرصة حقيقية لممارسة التأمل أو التفكر ، شأنه في ذلك شأن الكتب المدرسية بليدة الأغلفة والإحساس ، على جانب آخر تجد ريشة فنان وقد إستوعبت موضوع الكتاب بشكل كبير ، فتعمد إلى مشاغبة القارئ بذكاء فتعطيه طرفاً من الحكاية ، أو شاهداً من الخبر ، وتشوقه للنظر فيما وراء الغلاف بإستخدام الإيحاءات غير المبالغ فيها بالطبع ، هذا الصنف قليل ، ولكنه موجود أيضاً ، ولأن واجهة الغلاف الأمامي لا يتم إجازتها غالباً إلا بموافقة المؤلف ، فإن ما سوف تراه من صور أو رسومات أو حتى (شخابيط) ليست في الحقيقة سوى - أو جزء من - شخصية المؤلف ذاتها ، وهذا سيعطيك بالتأكيد فرصة إضافية للتعرف عليه وإن يكن بمنظور آخر .

3- مقدمة الكتاب وأضياف الشرف .
يلجأ الظرفاء من المؤلفين أحياناً إلى العديد من الأعلام البارزة من أجل كتابة مقدمة لمؤلفاتهم كل حسب تخصصه أو موضوع فنه ، وهذا يمثل عامل إستفزاز إضافي لي ، حيث أنني أرى هذا النوع من التقديم به قدر من المجاملة غير المبررة التي كان من الممكن تجنبها منذ البداية ، لاسيما إذا كان لديك كقارئ موقف سلبي مسبق من الشخصية التي تقوم بالتقديم ، الأمر الذي سينعكس على طريقة قراءتك لموضوع الكتاب ، وقد ينال من موضوعيتك لدى الحكم عليه .

يبدو هذا الأمر ولي كأنه (كارت توصية) من (صاحب التقديم) إلى (المؤلف) ، يلتمس فيه الأخير من القارئ أن يكون لديه من الصبر والأناة ما يجعله قادراً على إتمام القراءة دون الإنصراف عنها في منتصف الطريق ، وعلى الرغم من أن هذا النوع من التقديم هو أمر شائع ومتعارف عليه في أوساط المؤلفين وعوالم الكتب ، فإنني لا أكاد أستسيغه ، فالجهد المبذول من المؤلف هو وحده الذي يجب أن يكون (بطاقة المرور) أو (سند القبول) ، ومع ذلك فإنني أتفهم هذا الأمر أحياناً لدواعي تسويقية .

 أخيراً .. إذا كانت الكتابة معاناة ، فالقراءة أحياناً معاناة أشد بفعل الناشر أو المؤلف أو الغلاف أو مقدم الكتاب ، أو كلهم مجتمعين ، ولذلك يجب أن نقرأ بمرح لدواعي نفسية وصحية ، وأن نكون متسامحين إلى أقصى درجة إنطلاقاً من قاعدة ( الكتاب الذي لا يفيدني .. لن أسمح له بان يقتلني ) .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة