2015/01/18

مثقفون وملاحدة !!


بقلم : ياسر حجاج

هل كل مثقف ملحد ؟ لا
هل كل ملحد مثقف ؟ ربما

 إذا قرأت كتاباً فأنت قارئ ، وإذا قرأت عشراً فأنت مثقف ، وإذا قرأت مائة فأنت عالم ، أما إذا قرأت ألفاً غدوت ملحداً (مزحة) ، إذ يُعتقد على نطاق واسع أن الملاحدة هم أناس مثقفون ، وكأن الثقافة بروافدها العديدة - أو في جزء منها - تؤدي حتماً إلى الإلحاد أو مخاصمة فكرة الأديان بشكل عام ، أي أن الإلحاد - حسب هذا النظر - هو نتيجة طبيعية لكون فرد ما قد بات مثقفاً ، وهذا أمر غريب حقاً ، إذ لا يوجد تعريف واحد أصلاً مُجمع عليه من شأنه أن يضع بين قوسين شرحاً وافياً أو حتى مختصراً لكلمة (مثقف) أو (ثقافة) .

وبعيداً عن الإشتباك المرح بين المفردات ، وعما إذا كانت مفردة ما تعبر بذاتها عن المعنى المراد منها أم لا ، فإنني أرى وبحسب القدر المُتيقن منه أن الملاحدة في معظمهم ليسوا مثقفين فحسب ، بل أنهم ذوي إطلاع واسع ورحب يصل ربما إلى حد وصفهم بالمفكريين الحقيقيين ، وذلك بصرف النظر عن موقفك من هذه الأفكار ، أو عن مدى جدارتها لأن تكون محل أخذ ورد فيما بينك وبينهم .

فلما كان هذا الإعتقاد الذي يجمع دوماً بين الثقافة أو الفكر من جهة ، وبين الإلحاد من جهة أخرى ؟ يبدو لي أن أحد الأسباب الوجيهة هو أن العديد من أعلام الفكر والأدب والفلسفة منذ القدم وللآن قد إرتبطوا بالإلحاد - فكراً - بشكل ما ، بل أن كثيراً منهم قد جاهر بذلك ، هذه الصنف من الأعلام لا شك قد خلف تراثاً رائعاً لا يمكن إنكاره ولا التقليل من شأنه ، وما نشاهده الآن في حقل من الحقول وينال إستحساننا ودهشتنا أحياناً كان في جزء منه ( صغر أو كبر ) ثمرة جهد هذا الصنف ومثابرتهم ، ولا شك عندي أيضاً أن الكثيرين منا تحفل مكتبته الخاصة بكل أو بعض من مؤلفات هؤلاء ، وأننا بشكل أو بآخر قد تربينا على بعض مفاهيمهم وقد نكون قد تحمسنا أيضاً لبعض نظرياتهم ، مما أدى في النهاية إلى أن (وعاء الوعي) لدينا قد ناله قدر من عطاءهم كل حسب درجة تقبله لهذا النوع من العطاء ، منا من إبتل وعائه فحسب ، ومنا من إمتلاً وعائه ، بل منا من فاض وعائه بالكلية حتى الغرق ، وإن شئت فالإستغراق .

عودة الآن إلى الملاحدة الذين دائماً ما يطرحون الأسئلة الصعبة ، ويخوضون غمار النقاشات الشائكة بلا كلل أو ملل ، سلاحهم الجدل ، حجتهم القياس والمنطق ، يستميتون في الدفاع عما يظنونه الحق ، تكاد لا توجد قضية لديهم تنجو من طاولة البحث ، وإعمال مشرط التشريح في كل أوصالها ، الشواهد العينية والتجارب المعملية هي عمدة الأمر عندهم ، المبني للمجهول لديهم سفاهة غير مبررة ، وإسناد الأمر للمعلوم حقيقة مقدرة ، على خصومة ثأرية ودائمة مع فكرة الغيب .

في عصر العلم والإكتشافات ، بدا وكأن الملاحدة قد كسبوا أرضاً جديدة وإستحوذوا على مساحات إضافية من عقول أولئك النفر المهووسين بالعقل الإنساني بحسبان أن الإنسان وتجربته وجهده ودأبه هي جميعها تمثل الدليل المعرفي الأوفي ، والثابت الواقعي لكل مظهر إيجابي أو حضاري تراه العين وتلمسه الأيدي ، دون الإكتفاء أو الإتكاء على فكرة ما ورائية أو غيبية ، لا تقدم في ظنهم لا حلاً لمشكلة ، ولا نهوضاً بمستوى أمة من الأمم .

لا يستند الملاحدة إلى خلفياتهم المعرفية وتجاربهم الحياتية فحسب ، بل أن هناك مجالاً مغناطيسياً جاذباً آخر يزيد من صلابة معتقدهم ، ألا وهو ضآلة منطق الخصوم وهشاشته أحياناً ، الأمر الذي يترتب عليه بالضرورة إجراء عملية حسابية منطقية تُفضي في نتيجتها النهائية إلى (خصم من رصيد طرف ، وإضافته إلى رصيد الطرف الآخر) في معركة قد تبدو غير متكافئة أحياناً ، هذه المعركة مُقدر لها - في ظني - الإستمرار لإختلاف الأرضية التي يقف عليها وينطلق منها كل فريق ، ولتباين العتاد الذي يتسلح به كل منهما ، فهذا نوع من (العراك) ليس بممكن أن يثوب طرفاه إلى منطقة وسط .

رأي خاص :-
ليس كل قضية خاسرة في جانب طرف ما تعني أنه مجانب للحق ، مجافي للحقيقة ، لكن أحياناً تكون طريقة التعبير عن الحق بمثابة خنجر حاد يغرزه صاحب الحق في كبد حقيقته ، أو يغدو كمن إنتحر شنقاً مع إلصاق التهمة بالحبل المتدلي من سقف غرفة ما ، ينطبق هذا على الملاحدة وعلى من يناهضونهم بوجه عام ، إن العلم الناقص أشد من الجهل المطبق .
وإذا أردتم رأيي ، فإنني أتوافق بالمطلق مع العلم وآلياته في سبيل جعل الإنسان أكثر سعادة وأوفى صحة ، دون إهمال لجانب التصالح النفسي والروحي اللذان يمثلان قوة الدفع لأي قيمة أو إنجاز أو عمل نبيل في هذه الحياة .
إن الملاحدة قد يكونون بمقياس فهمنا أناس مفكرون .. لا بأس ، ولكنهم - للأسف - ليسوا سوى نفر قد خاصم الفطرة الإنسانية في أبسط معانيها التي تُعنى بالسبب دون إهمال المُسبب ، مع فهم ووعي بالمحسوسات ، دون قطيعة غير مفهومة بالمدلولات .

(من شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر... - الكهف 29)، فلهذا شأنه ، ولذاك خياره ، شخصياً أتعلم من فريق منطق وجدل وتراتبية ذهنية ، وألوذ بفريق لضبط زوايا الرؤية ، وتحديد مسارات الطريق ، وإدراك الغاية النهائية من كل الأمر .
وللجانب الذي يزيد من رصيد الملاحدة أقول .. أن (التفكير مع بعض) خير من (تفجير بعض) ، وأن (التنظير عن بعد) يتساوى مع (التفجير عن بعد) سواء بسواء .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة