2015/01/14

صحفيون .. لكن ظرفاء !!



 
أرثر شوبنهاور 
فيلسوف ألماني

 ( الصحفيون مثل الكلاب
 يبدأون في النباح كلما تحرك شيء )

عزيزي .. عزيزتي

لابد أن أعترف هنا بأنني قد إستغرقت في نوبة ضحك طويلة نسبياً عندما قرأت هذه العبارة لأول مرة ، يا إلهي .. إنها تمثل وجهة نظري في الكثرة الكاثرة من الصحفيين والإعلاميين الذين أتابعهم بشكل عام في مجالي الصحافة المكتوبة والتليفزيونية .
والمقولة على أية حال - وقبل القفز إلى أية إستنتاجات خاطئة أو متسرعة  -لا تمثل في ظني  ثمة إهانة للمنتسبين إلى هذه المهنة ، فما فهمته منها يُحمل على المدح ، لا القدح ، وعلى الجد دون الهزل ، فلا تقفوا كثيراً عند ضحكاتي التي ما كانت لتكون لولا المزاح الثقيل الذي مارسه الفيلسوف الكبير بمقولته .

وكأني بشوبانهور يقول لك أن الصحفيين لا يغيبون لا عن المشاهد الكبرى ولا الصغرى ، ولا تسهى كاميراتهم عن اللقطات العابرة ، لا تفلت من بين أيديهم الأخبار مهما بدت تافهة ولا قيمة كبيرة لها لدى عموم القراء ، فهم يُعنون بالخبر ، صغر شأنه أو كبر ، عنايتهم بالقليل تعدل عنايتهم بالكثير ، فكل خبر له وجاهة ، وكل صورة لها دلالة ، يعتبرون أن توافه الأمور من الممكن أن تُشكل العناوين البارزة للأخبار ، وأن مستصغر الشرر قد يؤذن بحريق كبير ، يتساوى لديهم (خبـرياً) مصرع مواطن في طريق ، مع قطة عالقة تصارع حريق .

أناس ظرفاء حقاً لا يكتفون بمجرد نقل الحدث أو تحليله ، بل أنهم كذلك (يصنعونه) عن طريق طرح قضايا جديدة ، مع تسليط الضوء عليها ، فهم يعتمدون إلى حد كبير - هنا - على حاستهم الصحفية التي تستشرف الأخبار من مسافات بعيدة ، ويقدرون أنها ربما تشكل حدثاً ما في قادم الأيام ، وهذا أمر حسن بالتأكيد .

علاوة على ذلك فإن البعض منهم يسعى إلى (إختـلاق) الوقائع إختلاقاً ، أي إيجادها من عدم ، ولعلي هنا أذكر واقعة طريفة تتعلق بقيام أحد مسئولي التحرير بصحيفة أو مجلة مصرية بتكليف أحد شباب الصحفيين الجدد بإجراء حديث مع الفنانة الراحلة أمينة رزق ، وقام مسئول التحرير بتزويد الصحفي الشاب برقم هاتفها لتحديد موعد اللقاء وإجراء الحوار .
لم يفلح الشاب - بعد محاولات عديدة - في الإتصال بالفنانة المرموقة ، وحاول بكافة السبل الوصول إليها لكن دون جدوى ، فأرجع الأمر إلى مسئول تحريره للتصرف ، فأشار إليه الأخير بضرورة إجراء الحوار في جميع الأحوال ، وقام بإخراج صورة من مكتبه للفنانة المذكورة وأعطاها للصحفي الشاب ، وقال له : ها هي أمينة رزق ، هيا قم بإجراء الحوار معها .

الواقعة المشار إليها سمعتها بإذني من الدكتور مصطفى الفقي أثناء قيامه بتقديم أحد البرامج السياسية بإحدى القنوات الفضائية المصرية الخاصة ، والحقيقة أن هذه الواقعة لا تمثل لي أية مفاجأة ، وهي على طرافتها تشي بالكثير عن العقلية التي يُقال لك عنها انها تشكل الوعي الثقافي للمواطنين .

أعلم أن التعميم لا ينبني عليه حكم موضوعي ، فحديثي هنا إنما يخص نفر منهم ولا أظنه قليل ، يكافحون من أجل الحقيقة (هم يقولون هذا)  ، وهم انفسهم في سبيل أدائهم لهذه الغاية النبيلة ، لا يمانعون أيضاً من التجاوز عن بعض الأخطاء المهنية البسيطة التي يمكن غرض الطرف عنها ، مثل الكذب والإفتراء ، المبالغة غير المبررة في توصيف الحدث ، صياغة الأخبار لغرض لا صلة له بأية غاية معرفية أو موضوعية ، ومطلوب منك أيها القارئ أو المشاهد أن تصدق أن الصحافة بهذ المثابة هي مهنة البحث عن المتاعب ! ربما .. ولكن لمن ؟ فعتدما يتساوى عند هؤلاء الظني والقطعي ، والمؤكد والمحتمل ، فلا تحدثني عن صحافة متاعب ، وإنما عن صحافة متاع .

*****
الشئ بالشئ يٌذكر !
بعد الإنتهاء من نوبة ضحكي - المشار إليها أعلاه - والتي أحياناً ما تكون مبالغاً فيها بعض الشئ لاسيما إذا كنت بمفردي ، أراني وقد عدت القهقري إلى حيث أواسط الثمانينات حيث دراسة القانون بجامعة القاهرة ، تعارفت - حينها - على أحد الطلبة ممن كانوا يدرسون الصحافة والإعلام بذات الجامعة ، وكان رفيق سكن كذلك بالمدينة الجامعية .

 كان مظهره بسيطاً ، وبدا لي انه من طبقة إجتماعية دون المتوسطة ، وهذا أمر لا يعيب على أي حال ، رأيته مجتهداً حقاً في دراسته ، مكباً على علومهً ، وكان يتدرب بصحيفة الأهالي المصرية ذات التوجه اليساري المعروف والتي كثيراً ما كانت (تناكف) الحكومات (وتشاغب) جهات الإدارة بوجه عام .
 وفي سبيل حصول - هذا الزميل - على أخبار - بأي شكل وكيفما إتفق - بغرض حملها على عجل إلى مقر الصحيفة المنوه عنها ، فإنه كان يجالس العديد من الطلبة والزملاء ومن محافظات مختلفة بغرض (إستنطاقهم بلطف) أو (تحريضهم بدهاء) على البوح بكل ما يرونه سلبياً في بلدانهم ومحال إقامتهم ويكون ذا صلة ما بجهة حكومية أو تنفيذية .

لفت نظري أنه حدد - منذ البداية - خياراته بوضوح (فالسلبيات هي كل ما كان يبحث عنه) ، دون حتى التثبت من صحة الخبر ، أو صدقية الراوي ، إذ كان لديه نهم أهم وأقوى - في ظني - وهو أن يزيد من جهده الصحفي بالجريدة ، ويُكثر من مواده المنشورة ، ذلك أنه في النهاية لا يريد سوى (بطاقة عضوية في نقابة) تعده بها جريدته ، فضلاً عن نذر قليل شهرياً يساعده في تغطية بعض نفقاته ، ويبدو أنه كان يسير على القاعدة الصحفية المحنطة فوق مقعد كل أحد من هؤلاء والتي تقول ( حيث الأخبار السيئة ، فثم الأخبار ) .

وعلى الرغم من أنه كان ممن ساكنتهم وآكلتهم ، فلا أذكر إسمه الآن ، وهذا أمر غير معتاد بالنسبة لي ، ولكني أدركت ان الذاكرة غالباً ما تقوم بعملية (الفلتـرة المركزية) للصور والأسماء والأشياء ، فتضع بعضهم في أمكنة بارزة ، وترمي بآخريين في زواياها المهملة ،  ولطالما ساءلت نفسي عن المستقبل المهني لهذا الزميل لو قُـدر له أن يخطو في مضمار الصحافة خطوات أوسع ، أسرع ، وأعلى ، لعلي الآن أدرك الإجابة ، فحمى الإستنساخ تعمل بنشاط حثيث ، ونظرة فاحصة في وجه هذا وذاك ، وهذه وتلك من شأنها أن تعطيك شواهد كثيرة من الخبر ، دون تذكير بأسمائهم ، أو إظهار صورة لأحدهم  ، أو تنويه حتى بمقالات بعضهم .
                                                                                                                   ياسر حجاج

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة