2015/01/25

الأوغاد .. مؤلفين وقراء !!

بقلم : ياسر حجاج

الأن عزيزي القارئ ، وقد إنتهيت من القراءة ومارست كل أنواع المرح مع نفسك ، والمزاح مع سطور كتابك ، فضلاً عن المؤلف وكل ما له علاقة بالكتاب ، فإنك حتماً توقفت بجدية - ولو قليلاً - لتتبع الأثر الذي تركه (فعل القراءة) في نفسك .

إن القراءة - حتى وإن كانت في كتاب ردئ الشكل أو سقيم المحتوى - من شأنها أن تعكس أثراً إيجابياً في نفسك وليس سلبياً ، فما صبرك على مطالعة بضع مئات أو حتى عشرات من الصفحات ، إلا لأنك كنت تبحث عن (أو تنتظر) شئ ما ، قاله المؤلف أم لم يقله ، وهذا - في ظني - فعل إيجابي في حد ذاته ، فإن وجدته فبها ونعمة ، وإن لم تجده ، فعلى الأقل قد عرفت الآن الطريقة التي تستطيع من خلالها إنفاق نقودك بصورة أفضل في المستقبل عند تسكعك أمام مكتبات بيع الكتب .

أما إذا لم تتوقف أبداً عند ما قرأته مهما بدا لك سلبياً أو محبطاً ، ففي الغالب لن تكون المشكلة لا في الكتاب ، ولا حتى في مؤلفه ، إنما المشكلة تكمن فيك أنت شخصياً ، الأمر الذي قد يتطلب منك العمل بجدية على ترتيب موعد مع أحد الإخصائيين النفسيين .

*****
الِكتاب .. أي كِتاب من شأنه أن يؤدي في محصلته النهائية إلى حثك على طرح الأسئلة ، ومحاورة المؤلف ولو بشكل صامت أحياناً فيما كتبه ، فإن تجاوزت مرحلة الصمت إلى مرحلة البوح وراسلت المؤلف مثلاُ كما يفعل بعض ظرفاء القراء ، فهذا في ظني قفزة هائلة جداً تُـنبئ عن شخصية واعية حقاً كان لديها من الوقت والإهتمام ما أرادت من خلالهما أن تروى بعض الظمأ ، أو تستزيد من الرواء .

صحيح أن أغلب المؤلفين لن يعيروا رسالتك ثمة إهتمام ، لأنهم أناس مهمومون ومشغلون جداً ، فإنك على الأقل تكون قد أرضيت ضمير (الناقد) داخلك ، ورَسَخت في ذهنك أكثر وأكثر الفكرة النمطية التي تراودك منذ سنين ، من أن قطاعاً كبيراً من المؤلفين ليسوا في الحقيقة سوى مجموعة من الأوغاد .

*****
هل وحدهم المؤلفين أوغاد ؟
لا .. الحقيقة أن كل مؤلف وغد يقابله عشرة من القراء الأوغاد على الأقل ، وفي تفصيل ذلك أقول أن الكتابة من حيث المبدأ عمل ينطوي على قدر كبير من المعاناة ليس هذا آوان تفصيلها ، ولكنها معاناة حقيقية حتى وإن كان المؤلف يتناول فيها سرداً عاماً وغير شخصياً ، كالقضايا الإجتماعية والتاريخية والسياسية وغيرها ، ذلك أن هذا السرد من الضروري وأنه قد مر على نفس المؤلف أولاً ، وأجال فيه خاطره بحنكة مفترضة ، بل وحياد تقتضية إعتبارات أخلاقية ومهنية ، ثم رأى في النهاية أنه قد بات لديه ما يقوله لقارئه.

بناء على ذلك ، يلزم التنويه وبصورة واضحة أن الإنطباعات الإيجابية التي قد تداعب أخيلتك عقب قراءتك لكتاب ما ، لا تعني بالضرورة أن هذا الكتاب إيجابي في ذاته ، أو أن المؤلف حتى قد كان موضوعياً بدرجة كافية ، لا .. كل ما هنالك أن ما قرأته من نصوص ربما لامست أو تطابقت مع إحدى قناعاتك المعرفية التي تتبناها ، فتسارع حين تجدها (وقد تكون محقاً) إلى إبداء رأياً إيجابيا جداً بشأن الكتاب أو مؤلفه ، وتنسى أن هذه النصوص - على بهاءها - ربما تكون قد شكلت صدمة ما لقطاع آخر من القراء ، فعين ما تراه أنت حقيقة ، هو ذاته عين ما يراه غيرك وهماً أو تلفيقاً ، ولربما كان كلاكما محقين .

فالقارئ (الطبيعي) من جهته يجب أن يُقدر أن ما يقرأه ليس من المفترض ، بل وليس من المطلوب أيضاً أن يتوافق مع كل أو بعض قناعاته أو أراءه ، فالكتابة تجربة إنسانية خاصة جداً ، وما وقع في خُلد الكاتب ليس من المنطقي أن يقع في خُلد القارئ بذات الدرجة ، ولعلي هنا أستعير فقرة من مقالة سابقة لي في سياق مشابه قلت فيها ( ذلك أننا إنما نرى الشئ بأعيننا نحن ، وليس بعين صاحبه ، ونتتبع أثره في نفوسنا نحن ، لا كما وقع في نفس صاحبه ، ونقسه بزوايانا نحن ، لا كما أراده صاحبه ) .

إن الضابط الحاكم في إطار الحكم على جودة كتاب ليس - في تقديري - سوى قدرتك كقارئ على تلمس صدق المؤلف فيما يرويه من عدمه ، وبصرف النظر القطعي عن ردود أفعالك التي قد يكون بعضها هزلياً تماماً ، إن إصرارك كقارئ على أن ترى دائماً جانباً من أراءك ، مواقفك ، صورتك ، مشاهد طفولتك ، مراتع صباك ، نزق شبابك ، وهوس رجولتك ، في سطور الكتاب الذي تقرأه ليس سوى هزل من العيار الثقيل ، لأن التجارب الإنسانية لها من الرحابة والسعة ، بحيث تستوعب تجاربك ، وتجارب غيرك ، أما إذا كنت لا تستوعب فكرة (التنوع) ، أو كانت لديك مشكلة بشأن (إحترام خصوصية الكاتب)  فيما أبداه ، فما عليك للخروج من هذا المأزق ، سوى أن تبادر أنت بالكتابة شخصياً ، ثم تخرج فتعرض ما كتبته على غيرك ، وعندئذ ستدرك أن المؤلفين الأوغاد قد زادوا واحداً كان إلى عهد قريب جداً قارئاً وغداً أيضاً .

ليست هناك تعليقات:

أرشيف المدونة

زوار المدونة

أون لاين


web stats
Powered By Blogger

مرات مشاهدة الصفحة